وعند ما ذهب الرشيد إلى مكّة سنة (١٨٦) للهجرة ، عهد بالخلافة إلى أولاده الثلاثة : محمّد (الأمين) وعبد الله (المأمون) والقاسم (المؤتمن) تباعا ، وكتب العهد ووضع داخل البيت الحرام (الكعبة) وأشهد القضاة بذلك (١).
وكان الرشيد قد أعطى ولاية العهد لأبنه (الأمين) قبل أخيه (المأمون) (٢) بتأثير من زوجته (الستّ زبيدة) وبتأثير آخر من جانب حاشيته ، ذلك لأن (الأمين) من أصل عربيّ ، والمأمون كانت أمّه من أسرة أعجمية. فالأمين كان يسيطر بأصله العربي على الإمارات الّتي يعيش فيها العرب ، والمأمون بأصله الفارسي كان يسيطر على الإمارات الفارسيّة.
ووقف وراء الأمين رجل مهم ذلك هو الفضل بن الربيع (وكان وزيرا للرشيد) ، ووقف خلف المأمون رجل آخر ، لا يقل أهميّة عن مثيله ، ألا وهو الفضل بن سهل (٣).
وقال هارون الرشيد في أبنيه الأمين والمأمون : (إنّي لأتعرّف في عبد الله حزم المنصور ، ونسك المهدي ، وعزّة نفس الهادي ، فلو أشأ أن أنسبه الرابعة فيّ لنسبته ، وإنّي لأرضى سيرته ، وأحمد طريقته ، وأستحسن سياسته ، وأرى قوته وذهنه ، وأمن ضعفه ووهنه ، وإنّي لأقدّم (محمّد) عليه ، وأعلم أنّه منقاد لهواه ، متصرّف في طريقه ، مبذّر لمّا حوته يده ، مشارك للنساء والإماء في رأيه ، ولو لا (أمّ جعفر) (٤) وميل بني هاشم إليه لقدمت عبد الله عليه) (٥).
وقيل إنّ هارون الرشيد قد ندم على توليته (الأمين) قبل أخيه (المأمون)
__________________
(١) تاريخ الطبري. ج ٨ / ٢٨٥.
(٢) المأمون : كان أكبر من أخيه الأمين سنا.
(٣) عبد الحكيم ـ موسوعة (١٠٠٠) حدث إسلامي. ص ١٠٩.
(٤) أم جعفر : هي الست زبيدة ، وكنيتها : أم جعفر.
(٥) ابن الجوزي ـ المنتظم. ج ٩ / ٩.