المسيب الضبي) يلقي النيران على بغداد ، بلا رحمة وهوادة ، ويقتل الناس دون تمييز ، كما وكان أصحاب الأمين ، يقتلون الرائح والغادي بالنيران والمجانيق ، وفي ذلك قال عمرو بن عبد الملك العتري الوراق (١) :
لا تقرب المنجنيق والحجرا |
|
فقد رأيت القتيل إذ قبرا |
ما ذا به من نشاط ومن |
|
صحة جسم به إذا ابتكرا |
أراد ألّا يقال كان له |
|
أمر فلم يدر من به أمرا |
يا صاحب المنجنيق ما فعلت |
|
كفّاك ، لم تبق ولم تذرا |
كان هواه سوى الّذي قدرا |
|
هيهات ، لن يغلب الهوى القدرا |
فكثر الخراب والدمار في بغداد ، وتغيرت محاسنها ، فقال العتري أيضا :
يا رماة المنجنيق |
|
كلّكم غير شفيق |
ما تبالون صديقا |
|
كان أو غير صديق |
ويلكم تدرون ما تر |
|
مون مرّار الطريق |
ربّ خود ذات دل |
|
وهي كالغصن الوريق |
أخرجت من جوف دنيا |
|
ها ومن عيش أنيق |
لم تجد من ذاك بدا |
|
أبرزت يوم الحريق |
ثمّ اشتدّ القتال ضراوة بين الطرفين ، وخرّجت الديار ، وغلت الأسعار ، وقاتل الأخ أخاه ، والابن أباه ، فقال الأعمى في ذلك (٢) :
تقطعت الأرحام بين العشائر |
|
وأسلمهم أهل التقى والبصائر |
فذاك انتقام الله من خلقه بهم |
|
لم اجترموه من ركوب الكبائر |
فلا نحن أظهرنا من الذنب توبة |
|
ولا نحن أصلحنا فساد السرائر |
إلى آخر القصيدة.
__________________
(١) تاريخ الطبري. ج ٨ / ٤٤٥.
(٢) المسعودي ـ مروج الذهب. ج ٣ / ٤٠١.