ثمّ بقي هرثمة بن أعين في معسكره أشهرا ، فكتب إليه المأمون بالرجوع إلى خراسان ، ولكنه تأخّر في الطريق ، فاستغلّ الحسن بن سهل ذلك التأخير وقال للمأمون : (إنّ هرثمة ، قد صادق عدوك ، وعادى وليّك ، وإنّ أبا السرايا هو جندي من جنوده ولكنّه تركه يعبث بالبلاد (١).
وكان هرثمة بن أعين قد ولّاه هارون الرشيد إمارة مصر ، فوصلها في الثامن والعشرين من شهر شعبان من سنة (١٧٨) (٢) للهجرة ، فتلقّاه أهل مصر بالطاعة ، وأذعنوا له ، فقبل ذلك منهم ، وأقرّ كلّ واحد على حاله.
وأرسل إلى هارون الرشيد يعلمه بذلك ، ولكن لم تدم إمرة هرثمة على مصر طويلا ، إذ عزل عنها ، وأرسل مع عساكره إلى أفريقيه في الثاني عشر من شهر شوال من هذه السنة (١٧٨) فكانت مدّة إقامته على مصر شهرين ونصف ، ولمّا وصل هرثمة بجيشه العظيم إلى المغرب أذعن له كافة العصاة ، ولم تكن هناك أية حوادث أو حروب ، ذلك لعظم هيبة هرثمة ، إذ كان مقداما ، مهيبا ، وكان الرشيد ينتدبه للمهمات الصعبة (٣).
وبقي هرثمة في المغرب سنتين ونصف ، ثمّ أمره الرشيد بالعودة إلى بغداد ، كان ذلك سنة (١٨١) للهجرة.
وفي سنة (٢٠٠) للهجرة ، وبعد فراغه من قتال أبي السرايا ، ذهب هرثمة إلى المأمون في خراسان ، فأخبره عن حقيقة الحال في العراق ، وفي الدولة الإسلامية ، فكان جزاؤه أن قال له المأمون : (مالأت أهل الكوفة والعلويين وماهنت ودسست اليّ أبا السرايا ،
__________________
(١) تاريخ الطبري. ج ٨ / ٥٤٢.
(٢) الكندي ـ الولاة في مصر. ص ١٦١ وأبي المجالس ـ النجوم الزاهرة. ج ٢ / ٨٨ وزامباور ـ الأسرات الحاكمة. ج ١ / ٤٠.
(٣) أبي المجالس ـ النجوم الزاهرة. ج ٢ / ٨٩.