(الحيرة) فوصلوها في الثاني من شهر رجب سنة (٢٠٢) للهجرة ، ثمّ تقدموا وقاتلوا أهل الكوفة ، واستمر القتال إلى الليل ، وكان شعار سعيد : (يا إبراهيم يا منصور ، لا طاعة للمأمون) وكان عليهم السواد ، أما أهل الكوفة فكانت عليهم الخضرة (١). وكان كلّ فريق من المتحاربين إذا استولى على شيء أحرقوه.
فلما رأى رؤساء وزعماء أهل الكوفة ما حلّ بهم من الدمار والخراب ، ذهبوا إلى سعيد بن الساجور ، فطلبوا منه الأمان (للعباس) ولأصحابه ، على أنّ يخرج العبّاس من الكوفة فوافق على ذلك. ثمّ ذهبوا إلى العبّاس بن موسى ، وقالوا له : إن أكثرية من معك هم غوغاء ، وإنّك لترى ما حلّ بنا من الحرق والنهب والقتل ، فاخرج من الكوفة فلا حاجة لنا فيك ، فوافق على طلبهم. ثمّ شغب أصحاب العبّاس على من بقي من أصحاب سعيد بن الساجور وقاتلوهم ، فانهزم أصحاب سعيد إلى الخندق (٢) ، ونهب أصحاب العبّاس دور عيسى بن موسى العباسي ، وأحرقوا وقتلوا من ظفروا به.
فأرسل العباسيون الموجودون في الكوفة إلى سعيد بن الساجور ، وهو في (الحيرة) يخبرونه بأن العبّاس بن موسى قد نقض الأمان ، فجاء سعيد ودخل الكوفة (ليلا) فقتل من وجده ممّن نهب ، ثمّ أحرق كلّ ما نهبوه ، ثمّ بقي في الكوفة طوال الليل ، فذهب إليه رؤساء الكوفة وقالوا له : إن ما حدث هو عمل الغوغاء ، وإنّ العبّاس لم يرجع عن الأمان ، فرجع سعيد إلى الحيرة.
وفي الصباح دخل سعيد إلى الكوفة ومعه أبو البطّ ، ونادوا بالأمان ولم يتعرضوا لأحد ، ثمّ عينوا على الكوفة الفضل بن محمّد بن الصباح الكندي (٣).
__________________
(١) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٦ / ٣٤٣.
(٢) الخندق : خندق الكوفة.
(٣) ابن الأثير ـ الكامل. ج ٦ / ٣٤٤.