ولا يجوز الانصراف من صفّ القتال إن كان فيه انكسار ، وإن لم يكن فيجوز أن يكون متحرّفا لقتال في استراحة أو مكيدة ، ومتحيّزا إلى فئة يتقوّى بها ويتظافر معها ، قال الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ ، وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)(١) الزحف : الدنوّ ، والمزاحفة : التداني والمعنى ـ والله أعلم ـ الأمر بأن لا يفرّ المؤمنون من الكفّار إذا تدانى بعضهم من بعض عند القتال.
وقيل : المعنى أن لا فرار عند المواقعة وأن لا نفار عند المشاقة وقيل : إنّ هذا على العموم ، وقيل : إنّه على الخصوص ، وتولية الأدبار كناية عن الهزيمة. والمتحرّف والمتحيّز قريب في المعنى. وذلك القصد إلى جهة يغلب على الظنّ المعونة فيها والتقوّي بها.
وقال الضحاك (٢) : المتحرّف : المتقدّم من أصحابه ليظفر بعورة العدوّ.
والمتحيّز : الراجع إلى أميره وأصحابه. وقيل : إنّما التحرّف والتحيّز في مراوغة الحرب ، فإنّها طلب وهرب وكرّ وفرّ. والله أعلم.
ومعنى : باء بغضب من الله : رجع به وحمله. وأمّا التحيّز إلى فئة فسواء قربت الفئة أو بعدت.
__________________
(١) سورة الأنفال ٨ : ١٥ ، ١٦.
(٢) الضحاك ت ١٨٠ ه ـ ٧٩٦ م : ربما كان يريد به الضحاك بن عثمان بن عبد الله الأسدي الحزامي المدني القرشي ، علّامة قريش بأخبار العرب وأيامها وأشعارها في المدينة. كان من أكبر أصحاب مالك بن أنس.