لقد رأيتني ليلة الهرير بصفّين (١) وقد أثبتّ بفرس أغرّ محجّل بعيد البطن من الأرض وأنا أريد الهرب لشدّة البلوى فما حملني على الإقامة إلا أبيات عمرو بن الإطنابة (٢) :
أبت لي شيمتي وأبى بلائي |
|
وأخذي الحمد بالثّمن الربيح |
وإقحامي على المكروه نفسي |
|
وضربي هامة البطل المشيح |
وقولي كلّما جشأت وجاشت |
|
رويدك تحمدي أو تستريحي |
لأدفع عن مآثر صالحات |
|
وأحمي بعد عن عرض صحيح (٣) |
فأمّا عليّ بن أبي طالب فروي أنّه كان يخرج كلّ يوم بصفّين حتّى يقف بين الصفّين ويقول :
أيّ يوميّ من الموت أفر |
|
يوم لا يقدر أم يوم قدر |
يوم لا يقدر لا أرهبه |
|
ومن المقدور لا ينجي الحذر (٤) |
__________________
(١) صفّين : موضع بقرب الرقة على شاطئ الفرات من الجانب الغربي ، وكانت حرب صفين بين علي بن أبي طالب ومعاوية سنة ٣٧ ه. وقد صنف في أخبارها نصر بن مزاحم كتابا كاملا نشر في مصر بتحقيق عبد السلام هارون. وليلة الهرير من ليالي القادسية واستعير الاسم هنا لبيان شدة القتال.
(٢) عمرو بن الإطنابة (ت؟) : هو عمرو بن عامر بن زيد مناة الكعبي الخزرجيّ ، شاعر جاهلي فارس ، كان أشرف الخزرج ، اشتهر بنسبته إلى أمه الإطنابة بنت شهاب من بني القين. وفي الرواة من يعدّه من ملوك العرب في الجاهلية ، كانت إقامته بالمدينة ، وكان على رأس الخزرج في حرب لها مع الأوس. وهو الذي استشهد معاوية بأبياته يوم صفّين. عن الأعلام ٥ : ٨٠ والسمط : ٥٧٥.
(٣) الشعر مع الخبر في عيون الأخبار ١ : ١٢٦ وقد زاد فيها بيتا خامسا والخبر مع هذا الشعر نفسه في العقد ١ : ١٠٤ ، ١٠٥ وهناك خلاف في رواية بعض الألفاظ. ومعنى قوله : جشأت وجاشت أي تطلعت ونهضت جزعا وكراهة.
قال المبرد في الكامل : ٥٣ : المشيح : الحامل الجاد ، يقال : أشاح يشيح إذا حمل. وانظر أيضا الكامل ٢ : ٣٥١.
(٤) انظر الخبر والشعر في العقد الفريد ١ : ١٠٥ وتكرر ذكر الشعر فيه ٥ : ٢٧٤.