فشجّعه رضياللهعنه الأمن من الأجل أنّه لا يأتيه قبل وقته ، فهذا أشرف وأقوى من الذي ذكرناه عن معاوية ، وذلك أنّ اعتقاد هذا مشجّع في كلّ حين ، فالمرء به شجاع أبدا مع أنه على حزم وحقّ ومعرفة بالعاقبة وعمل بما ينبغي.
وأمّا الخوف من الذم فليس اعتقاده مستصحبا في كلّ موضع ، فربّما قرر المرء مرة أنه لا يدركه ذمّ ، فإذا اعتقد ذلك صنع ما هو أحسن له في الحال وأيضا فإنّه لم يخل من خوف الموت واستحباب الحياة ، واعتقاد هذا ضعف وإن كان قد فضّل السلامة من الذمّ على السلامة من الموت ، وهو بعد ذلك كلّه تصنّع من أجل الناس لا من أجل نفسه والتصنّع للناس ضعف ، وكانت شجاعة عليّ رضياللهعنه طبعا لا يتكلّف.
قيل له : أتقتل أهل الشّام بالغداة وتظهر بالعشيّ في إزار ورداء؟! فقال : بالموت تخوّفوني!! والله ما أبالي سقطت على الموت أو سقط الموت عليّ (١). وقال عنترة (٢) :
بكرت تخوّفني الحتوف كأنني |
|
أصبحت عن غرض الحتوف بمعزل |
فأجبتها إنّ المنيّة منهل |
|
لا بدّ أسقى بكأس المنهل |
فاقني حياءك لا أبالك واعلمي |
|
أنّي امرؤ ساموت إن لم أقتل (٣) |
__________________
(١) انظر الخبر في العقد ١ : ١٠٢ والكامل.
(٢) عنترة ت نحو ٢٢ ق. ه ـ نحو ٦٠٠ م : عنترة بن شداد بن عمرو بن معاوية بن قراد العبسيّ ، أشهر فرسان العرب في الجاهلية ، وهو من أهل نجد ، كان من أحسن العرب شيمة ومن أعزّهم نفسا ، يوصف بالحلم على شدة بطشه ، وفي شعره رقة وعذوبة ، وقل أن تخلو قصيدة من قصائده من ذكر عبلة ابنة عمه التي كان يحبها. وشهد حرب داحس والغبراء.
وقتله الأسد الرهيص أو جبار بن عمرو الطائي. عن الأعلام ٥ : ٩١ والأغاني ٨ : ٢٣٧ وخزانة الأدب ١ : ٦٢.
(٣) الأبيات في العقد ١ : ١٠٦.