الأندلس ليفتحها ، وموسى إذ ذلك بإفريقية ، خرجوا بالجزيرة الخضراء وتحصّنوا في الجبل العظيم الذي يسمّى اليوم بجبل الفتح وجبل طارق نسبة إليه وهو في ألف وسبعمئة رجل ، وطمعت الروم فيهم فاقتتلوا ثلاثة أيّام وكان على الرّوم تدمير استخلفه لذريق ملك الروم. وكان قد كتب إلى لذريق يعلمه بأنّ قوما لا يدرى أمن أهل الأرض أم من أهل السماء قد وصلوا إلى بلادنا وقد لقيتهم فلتنهض إليّ بنفسك.
فأتى لذريق في تسعين ألف زمام ، ولقيهم طارق ، وعلى خيله مغيث الروميّ (١) مولى الوليد بن عبد الملك ، فاقتتلوا ثلاثة أيام أشدّ قتال ، فرأى طارق ما الناس فيه من الشدّة فقام يعظهم ويحضّهم على الصبر ويرغّبهم في الشهادة وبسط / [م ٧١] في آمالهم ثم قال :
أين المفرّ؟ البحر من ورائكم ، والعدوّ أمامكم ، فليس إلا الصبر منكم ، والنصر من ربّكم ، وأنا فاعل شيئا فافعلوا كفعلي ، والله لأقصدنّ طاغيتهم ، فإمّا أن أقتله وإمّا أن أقتل دونه.
فاستوثق طارق من خيله وكان قد عرف حلية لذريق وعلامته ، وفعل ما قال ، فقتل الله لذريق بعد قتل ذريع في العدوّ ، وحمى الله المسلمين فلم يقتل منهم كبير شيء ، وانهزمت الرّوم وأقام المسلمون يقتلونهم ثلاثة أيام. وأخذ طارق رأس لذريق وبعث به إلى موسى بن نصير ، وبعث به
__________________
(١) مغيث الرومي ت ١٠٠ ه ـ ٧١٨ م : مغيث الرومي ، فاتح قرطبة ، وهو ليس برومي في الحقيقة ، وتصحيح نسبه أنه مغيث بن الحارث بن الحويرث بن جبلة بن الأيهم الغساني ، سبي من الروم وهو صغير ، فأدّبه عبد الملك بن مروان مع ولده الوليد ، وقد أنجب مغيث في الولادة وصار منه «بنو مغيث» الذين نجبوا في قرطبة. تعلّم مغيث الفروسية وأفصح بالعربية ووجهه عبد الملك إلى الأندلس غازيا مع طارق بن زياد فقدّمه طارق لفتح قرطبة فافتتحها ب ٧٠٠ فارس وعاد مع طارق إلى دمشق في عهد سليمان ، ثم عاد إلى الأندلس. الأعلام ٧ : ٢٧٦.