استعلم حليته وألوان خيله ورايته قصد قصده ، وكذلك لا يلزم خباءه كي لا يلتمس عدوّه غرّته. وإذا سكنت الحرب فلا يمش في النّفر اليسير من قومه خارج عسكره ، فإنّ عيون عدوّه قد أذكيت. وعلى هذا الوجه كسر المسلمون جيوش إفريقية عند فتحها وذلك أنّ الحرب سكنت في وسط النهار ، فخرج مقدّم العدوّ يمشي خارج العسكر يتميّز عساكر المسلمين ، فجاء الخبر إلى عبد الله بن أبي سرح (١) وهو جالس في قبّته ، فخرج لوقته ووجّه من وثّقه من رجاله ، فحمل على العدوّ فقتل الملك وكان الفتح وسيأتي ذكر ذلك بعد إن شاء الله.
ولمّا (٢) عبر طارق (٣) مولى موسى [س ٩٤] بن نصير (٤) إلى بلاد
__________________
(١) عبد الله بن أبي سرح ت ٣٧ ه ـ ٦٥٧ م : عبد الله بن سعد بن أبي سرح القرشي العامري ، فاتح إفريقية ، فارس بني عامر من أبطال الصحابة ، أسلم قبل الفتح ، وكان من كتّاب الوحي ، وكان على ميمنة عمرو بن العاص حين فتح مصر ، وولي مصر سنة ٢٥ ه فاستمرّ نحو ١٢ عاما زحف في خلالها إلى إفريقية بجيش فيه نفر من كبار الصحابة ، فافتتح طرابلس الغرب وطنجة. وغزا الروم بحرا وظفر بهم في معركة ذات الصواري سنة ٣٤ ه. اعتزل الحرب بين علي ومعاوية ومات بعسقلان وهو يصلّي. عن الأعلام.
(٢) سراج الملوك ٢ : ٦٩٢.
(٣) طارق ٥٠ ـ ١٠٢ ه ـ ٦٧٠ ـ ٧٢٠ م : طارق بن زياد الليثيّ بالولاء ، فاتح الأندلس ، أصله من البربر ، أسلم على يد موسى بن نصير ، فكان من أشدّ رجاله ، ولمّا تمّ لموسى فتح طنجة وولّى عليها طارقا سنة ٨٩ ه فأقام فيها إلى سنة ٩٢ ه. ثم أرسله موسى على رأس حملة إلى الأندلس فتمّ له فتحها ، والتقى موسى في طليطلة عام ٩٣ ه ثم استدعاهما الوليد إلى الشام سنة ٩٦ ه. عن الأعلام ٣ : ٢١٧.
(٤) موسى بن نصير ١٩ ـ ٩٧ ه ـ ٦٤٠ ـ ٧١٥ م : موسى بن نصير بن عبد الرحمن بن زيد اللخمي بالولاء ، أبو عبد الرحمن ، فاتح الأندلس ، أصله من وادي القرى بالحجاز ، نشأ موسى في دمشق وولي غزو البحر لمعاوية. غزا قبرس وبنى بها حصونا وولي أعمالا جليلة لبني أمية ، وولي إفرّيقية سنة ٨٨ ه وأقام بالقيروان ، ثم أرسل طارق بن زياد إلى الأندلس وتبعه في حملة عام ٩٣ وفتح عددا من المدن ، عاد إلى دمشق سنة ٩٦ ه وحجّ مع سليمان ومات بالمدينة. كان شجاعا عاقلا لم يهزم له جيش قط. عن الأعلام ٧ : ٣٣٠.