مسجده فأشار بيده مسلّما تلقاء المغرب ، فقيل له : على من يا رسول الله؟ فقال : على ناس من أمتي يكونون بالمغرب الأقصى بجزيرة يقال لها الأندلس ، إليها آخر ما ينتشر هذا الدين ، رباط يوم فيها أفضل من رباط عامين في ثغور غيرها ، حيّها مرابط وميتها شهيد ، تحشرهم السّحاب يوم القيامة من وراء البحر الكافر ، فتمطرهم على المحشر كما يمطر الماء(١).
وروي عن شهر بن حوشب (٢) أنه قال : ما من بقعة من الأندلس إلا ولها ثواب لا يدركه العاملون ، يبعث الله أهل الأندلس يوم القيامة على حدة لا يخالطهم أحد قد تجلّلهم النور والبهاء ، وهم رؤساء المجاهدين.
ألا بمثل هذه المزيّة وهذه الآثار تنافس البقاع البقاع وتفاخر الأمصار الأمصار ، مزيّة ما فوقها بغية لمختار ، وأثرة إليها تنصرف آمال البررة الأخيار .. جعلها الله تعالى من كلأته وعصمته في أوفى ذمّة وأمنع جوار.
__________________
(١) الأحاديث التي ورد فيها ذكر «الأندلس» صراحة لا تصح ، وغاية ما هناك أن تستشف إشارات إلى ذلك كما في حديث «أنس بن مالك أن خالته أم حرام بنت ملحان زوجة أبي الوليد عبادة بن الصامت أخبرته أن رسول الله (صلىاللهعليهوسلم) نام ثم استيقظ وهو يضحك. فقالت له بنت ملحان : ما يضحكك يا رسول الله؟ قال : ناس من أمتي عرضوا عليّ غزاة في سبيل الله ، يركبون ثبج هذا البحر ملوكا على الأسرّة أو مثل الملوك على الأسرّة. وأنه نام مرة أخرى وفعل كفعله الأول. فلما قالت له أم حرام : ادع الله أن يجعلني منهم ، قال : أنت من الأولين» وقد توفيت أم حرام في قبرس.
وقد أوّل ابن حزم هذا الحديث بأن المراد به الفتوحات البحرية الأولى (صقلية وأقريطش) والفتوحات التي تلتها ومنها الأندلس. عن رسالة ابن حزم في فضل الأندلس وذكر رجالها والحديث المذكور في هذه الحاشية مما رواه مسلم ٢ : ١٠٤.
(٢) شهر بن حوشب ٢٠ ـ ١٠٠ ه ـ ٦٤١ ـ ٧١٨ م : شهر بن حوشب الأشعري ، فقيه قارىء من رجال الحديث ، شامي الأصل ، سكن العراق ، وكان يتزيّا بزيّ الجند ويسمع الغناء بالآلات ، وولي بيت المال مدة ، وهو متروك الحديث. وكان ظريفا.
تهذيب التهذيب ٤ : ٣٦٩ ـ الأعلام ٣ : ١٧٨.