والمواثيق العسكريّة الهامّة ) التي يزخر بها تأريخ الدعوة الإسلاميّة (١).
مثل هذه الحياة الحافلة بالأحداث والوقائع ، الزاخرة بالصعوبات والمتاعب ، كانت تحمل المسلمين من جانب آخر على صرف جلّ اهتمامهم وأوقاتهم في مسألة الدفاع عن حياض الإسلام ، وحياة الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم فإذا ما تيسّر لهم بعض الفرصة والفراغ ، وانصرفوا إلى تعلّم الأحكام والقوانين الإسلاميّة ، إذا بحوادث جديدة تستقطب اهتمامهم ، وتسلب منهم فرصة الأخذ ، والتعلّم الواسع من النبيّ الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وخاصّة إذا عرفنا أنّ أوضاع المسلمين وإمكاناتهم البشريّة وعددهم لم يبلغ حدّاً يسمح بأن تتفرّغ كل جماعة منهم لعمل خاصّ ، جماعة للدفاع وجماعة للزراعة ، وجماعة للتعلّم والتفقّه ، ولكن كان الجميع جنوداً عند تعرّض البلاد لهجوم الأعداء ، فإذا فرغوا من الحرب انصرفوا ـ بعض الوقت ـ إلى الزراعة أو التعلّم ، أو التكسّب والتجارة.
(ب) : لقد كان التشريع الإسلاميّ يشقّ طريقه نحو التكامل بصورة تدريجية ، لأنّ حدوث الوقائع والحاجات الاجتماعيّة في عهد الرسول الأكرم ، وما كانت تثيره من أسئلة وتتطلّب من حلول هي التي كانت توجب نزول التشريع عن طريق الوحي الإلهيّ ، وبهذه الصورة كان التشريع الإسلاميّ يتكامل ، ويتخذ صيغته الكاملة.
وهذا هو شأن كلّ تشريع ، فلا يمكن أن يكون القانون وليد لحظة واحدة من الزمان أو مقتضيات يوم واحد ، بل يكون وقوع الحوادث والوقائع هو السبب في اتّساع دائرة القانون وتكامله.
ثمّ إنّ تكامل التشريع الإسلاميّ ليس بالمعنى المتبادر في التشريعات البشريّة المتكاملة تدريجياً.
فإنّ الباعث على التدرّج في التشريعات ( الوضعيّة ) هو عدم علم المشرّع بما سيحدث ، وأمّا التشريع الإسلاميّ فالمشرع فيه هو الله سبحانه وهوعالم بمقتضيات الأحكام ومصالحها وملابساتها وما يوجب النسخ والتخصيص فيكون معنى التكامل
__________________
(١) راجع كتاب الوثائق السياسيّة للبروفسور محمّد حميد الله. ومكاتيب الرسول للعلاّمة الأحمدي.