لا ريب أنّ من أهمّ الأدلة على لزوم نصب الإمام والقائد بعد النبيّ هو تصوّر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم نفسه عن هذه المسألة ، فماذا كان هذا التصوّر ؟
هل كان النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم يعتقد بلزوم نصب الإمام والقائد من جانب الله ؟ أم كان يعتقد ترك ذلك إلى نظر الاُمّة وإرادتها وإختيارها ؟ أم كان يعتبر ذلك من شؤونه واختصاصاته على الأقل ؟
إنّ الكلمات المأثورة عن الرسول الأكرم وموقفه صلىاللهعليهوآلهوسلم من قضية القيادة بعده ، تدلّ على أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يعتبر أمر القيادة وتعيين القائد مسألةً إلهيّةً وحقاً إلهيّاً ... فالله سبحانه هو الذي له أن يعين القائد وينصب الخليفة الذي يخلِّف النبيّ بعد وفاته. ولا نجد في كلّ ما نقل عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ما يدل على إرجاع الأمر إلى اختيار الاُمّة ونظرها ، أو إلى اراء أهل الحلّ والعقد واجتماعهم ، أو غير ذلك من صور الانتخاب والتعيين غير الإلهيّ.
إنّ الأدلة والشواهد النقليّة تشهد برمتها بأنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ذكر للاُمّة مراراً بأنّ تعيين الأمير من بعده أمر إلهيّ ، وليس له في ذلك شيء ، فلا يمكنه أن يقطع لأحد عهداً بأن يستخلفه من بعده ، دون أن يأذن الله تعالى له في ذلك أو يأتيه منه سبحانه أمر ووحي.
وفيما يأتي نذكر شاهدين تأريخيين على ذلك ، والشاهد الأوّل أكثر صراحة في ما ذكرناه :
١. لمّا عرض الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم نفسه على بني عامر الذين جاؤوا إلى مكة في موسم الحجِّ ودعاهم إلى الإسلام قال له كبيرهم : ( أرأيت إن نحن بايعناك على أمرك ثمّ أظهرك الله على من خالفك ، أيكون لنا الأمر من بعدك ؟ ).
فقال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : « الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء » (١).
__________________
(١) السيرة النبويّة لابن هشام ٢ : ٤٢٤ ـ ٤٢٥.