٢. لما بعث النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم سليط بن عمرو العامريّ إلى ملك اليمامة ( هوذة بن عليّ الحنفيّ ) الذي كان نصرانياً ، يدعوه إلى الإسلام وقد كتب معه كتاباً ، فقدم على هوذة ، فأنزله وحباه وكتب إلى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول فيه : ( ما أحسن ما تدعو إليه وأجمله وأنا شاعر قومي ، وخطيبهم ، والعرب تهاب مكاني فاجعل لي بعض الأمر أتبعك ).
فقدم سليط على النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وأخبره بما قال هوذة ، وقرأ كتابه فقال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : « لو سألني سيابةً من الأرض ما فعلت ... باد وباد ما في يده » (١).
ونقل ابن الأثير على نحو آخر فقال : أرسل هوذة إلى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وفداً يقول له :
( إن جعل له الأمر من بعده أسلم وصار إليه ونصره ، وإلاّ قصد حربه ).
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « فمات بعده قليل لا ولا كرامة ... اللهمّ اكفنيه » (٢).
إنّ هذين النموذجين التاريخيين الذين لم تمسّهما أيدي التحريف والتغيير يدلان بوضوح كامل على تصوّر النبيّ الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم عن مسألة الخلافة والقيادة من بعده ، فهما يدلاّن على أن هذه المسألة كانت إذا طرحت على النبيّ ، وسئل عمّن سيخلّفه في أمر قيادة الأمّة كان يتجنب إرجاعها إلى نفسه ، أو إلى نظر الاُمّة ، بل يرجع أمرها إلى الله تعالى. أو يتوقّف في إبداء النظر فيه على الأقل.
على أنّ مسألة انتخاب الخليفة القائد بعد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لو كانت من شؤون الاُمّة وصلاحياتها وجب أن يصرح النبيّ بذلك أو يشير إلى أصل الموضوع ولو بالإجمال.
بل وجب أن يبيّن للاُمّة الطريقة الصحيحة للانتخاب ، ويذكر لهم الشروط والضوابط اللازمة في الناخب ، والمنتخب ، لكي يتحقق هذا الأمر بوجه صحيح ، بينما نجد النبيّ لا يتعرض لهذا الأمر أبداً ، ولم يؤثر عنه أي نقل ، وإرشاد وتعليم في هذا المجال ، رغم أهميّة الموضوع وخطورته البالغة ، مع أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم قد تعرّض لاُمور أسهل وأبسط
__________________
(١) طبقات ابن سعد الكبرى ١ : ٢٦٢.
(٢) الكامل في التاريخ لابن الأثير ٢ : ١٤٦.