اليوم ، ولكن يفعل كلّ ذلك وفق منهج السّماء ، فكان يقوم بالعزل والنّصب ، والمراسلة وعقد الأحلاف ، وتوقيع الوثائق السياسيّة والعسكريّة والإقتصاديّة حسبما تقتضيها المصلحة الإسلاميّة والاجتماعيّة في عصره وضمن تشكيلات بسيطة ..
هذا مضافاً إلى أنّ من طالع سورة الأنفال والتوبة ومحمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم يلاحظ كيف يرسم القرآن فيها الخطوط العريضة لسياسة الحكومة الإسلاميّة وبرامجها ووظائفها ... فهي تشير إلى مقوّمات الحكومة الإسلاميّة الماليّة ، واسس التعامل مع الجماعات غير الإسلاميّة ، ومبادئ الجهاد والدفاع وبرامجها ، وتعاليم في الوحدة الإسلاميّة التي تعتبر أقوى دعامة للحكومة الإسلاميّة ... وكذا غيرها من السور والآيات القرآنيّة ، فهي مشحونة بالتعاليم والبرامج اللازمة للحكومة والدولة.
وهذا يكشف عن أنّ النبيّ ( محمّداً ) صلىاللهعليهوآلهوسلم كان أوّل مؤسّس للحكومة الإسلاميّة وأنّ أوّل حكومة إسلاميّة هي التي أقامها وأوجدها النبيُّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في المدينة المنورة بعد أن مهّد لها في مكّة.
على أنّ هذه الحكومة ـ كما قلنا ـ وإن لم تكن من حيث التشكيلات والتنظيمات الإداريّة على النحو المتعارف الآن ، إلاّ أنّها كانت على كلّ حال تمثّل حكومةً كاملة الأركان ، ودولةً كاملة السّمات والملامح.
وهذا يعني أنّه لابدّ أن تكون للحكومة الإسلاميّة أركان ومؤسّسات وتشكيلات للقيام بمثل ما كان يقوم به النبيُّ صلىاللهعليهوآلهوسلم حسب ما تقتضيه طبيعة عصرنا الحاضر ..
وكلُّ هذا يتّضح من مطالعة ما دوّن حول السيرة النبويّة من كتب تأريخيّة على أيدي مؤرّخين من القدماء ، مثل سيرة ابن هشام وتاريخ الطبري وتاريخ الكامل للجزريّ والإرشاد للمفيد وكشف الغمّة للأربلّي ، ومن المتأخّرين ، مثل كتاب تاريخ الإسلام السياسيّ (١) ، وغير ذلك من المؤلّفات التاريخيّة المختصرة والمفصّلة.
__________________
(١) تأليف الكاتب المعاصر الدكتور حسن إبراهيم حسن استاذ التاريخ الإسلاميّ بجامعة القاهرة.