ثمّ إنّ نظرةً اخرى إلى الدين الإسلاميّ نفسه تشهد بأنّ الأحكام والمناهج الإسلاميّة تقتضي ـ بنفسها ـ قيام مثل هذه الدولة وذلك من جهتين :
الاُولى : أنّ الإسلام يدعو ـ في أكثر من نصّ ـ إلى الوحدة بين أبنائه وأتباعه ، وينهى عن التشتُّت والفرقة والاختلاف حتّى عرف الإسلام بأنّه بني على كلمتين : « كلمة التوحيد ، وتوحيد الكلمة » قال القرآن الكريم : ( وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ) ( الأنعام : ١٥٣ ).
وقال تعالى : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ) ( آل عمران : ١٠٣ ).
وقال تعالى : ( إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) ( الحجرات : ١٠ ).
وقال تعالى : ( وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) ( الأنفال : ٦٣ ).
فإنّ الله يمنُّ على النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه وحّد بهداه قومه ، وهو يعني أنّ التوحيد ورصّ الصفوف هو غاية الإسلام الأكيدة.
إلى غير ذلك من الآيات التي تكشف عن أنّ القرآن يريد وحدة الاُمّة الإسلاميّة.
ولذلك قال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : « من أتاكم وأمركم جميع ( مجتمع ) على رجل واحد ، يريد ان يشقّ عصاكم أو يفرّق جماعتكم فاقتلوه » (١).
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم أيضاً : « مثل المؤمن من المؤمن كالبنيان المرصوص يشدُّ بعضه بعضاً » (٢).
وقال الإمام عليّ بن أبي طالب عليهالسلام في هذا الصّدد : « والزموا السّواد الأعظم ،
__________________
(١) أخرجه مسلم في صحيحه كما في جامع الاُصول في أحاديث الرسول ٣ : ٤٨.
(٢) مسند أحمد ٤ : ٤٠٤ ورواه غيره من أصحاب الصّحاح والسُّنن.