حول ( الحكومة ) وما لها وما عليها من الحقوق والواجبات.
ثمّ إنّ الاستدلال بهذه الآية يتوقف على كون المراد من أهل الأمانة هو « الناس » فعندئذ تدل الآية على ، أنّ الحكومة نابعة من جانب الاُمّة ، وإن كانت نابعةً من جانب الله بالأصالة ، وهي أمانة بيد الحاكم ، ووديعة في عنقه ، يطلب منه أداؤها. غير أنّ من الممكن أن يكون المقصود من أهل الأمانة هو ( الله ) سبحانه وتعالى ، فإن الحكومة له لا غير كما قال في كتابه الكريم : ( إِنِ الحُكْمُ إِلاَّ للهِ ) ( يوسف : ٤٠ ) فعندئذ لا يتمّ الاستدلال بالآية على المطلوب ، ولكنّ الإجابة عن هذا الاحتمال واضحة ، فإنّ الحكومة كما قلنا في الجزء الأوّل ، حقّ ذاتيّ لله تعالى ، ولا يعني من كونه حقّاً للناس أنّه حقّ أصيل لهم في قبال كونه حقّاً لله سبحانه ، بل المراد أنّه حقّ أعطاه الله سبحانه له.
وبعبارة أخرى : ليس المقصود أنّ للشعب سيادةً وحاكميّةً في عرض السيادة والحاكميّة الإلهيّة ، بل هما حقّان من نوعين ، أحدهما حقّ مستقل وذاتيّ ، والآخر حقّ تبعيّ موهوب ، وهما لذلك يجتمعان دونما تضادّ وتباين ، ولا منافاة بين أن يكون أهل الأمانة هو الاُمّة أو الله سبحانه.
وممّا يؤيّد القول بأنّ المراد من ( اهلها ) هو الناس ، ما ورد في هذا الصدد من الاحاديث التي يستفاد منها كون ( الحكومة ) أمانة في عنق الحاكم ، أو أنّ الحكّام خزّان الرعيّة ومؤتمنون على الحكومة ، ومسؤولون عنها ، إلى غير ذلك من النصوص التالية :
يقول الإمام عليّ عليهالسلام لأحد ولاته : « إنّ عملك ليس لك بطعمة ولكنّه في عنقك أمانة وأنت مسترعىً لما فوقك ليس لك أن تفتات في رعيّة » (١).
ويقول عليهالسلام أيضاً : « أيّها الناس إنّ أمركم هذا ليس لأحد فيه حقّ إلاّ من أمرتم ، وإنّه ليس لي دونكم إلاّ مفاتيح مالكم معي » (٢).
ويقول الإمام عليهالسلام أيضاً : « انصفوا الناس من أنفسكم واصبروا لحوائجهم
__________________
(١) نهج البلاغة : الرسالة رقم (٥).
(٢) الكامل لابن الأثير ٣ : ١٩٣.