بيته ومعبده ، بل هو نظام سياسيّ وماليّ وحقوقيّ واجتماعيّ واقتصاديّ واسع وشامل ، وما ورد في هذه المجالات من قوانين وأحكام تدلُّ بصميم ذاتها على أنّ مشرّعها افترض وجود حاكم يقوم بتنفيذها ورعايتها. لأنّه ليس من المعقول سنُّ مثل هذه القوانين دون وجود قوة مجرية وسلطة تنفيذيّة تتعهد إجراءها وتتولّى تطبيقها ، مع العلم بأنّ سنّ القوانين وحده لا يكفي في تنظيم المجتمعات.
ولقد استدلّ السيد المرتضى على لزوم الحكومة ببيان لطيف هذا حاصله : « إنّ بقاء الخلق يتوقّف على اُمور منها الأمر والنهي. قال الله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ) ( الأنفال : ٢٤ ) ، وفسّر بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ولقوله سبحانه : ( وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ ) ( البقرة : ١٧٩ ) ، فصار الأمر بالمعروف هنا المتمثّل في الاقتصاص من القاتل مبدءاً للحياة.
فإذا كان الأمر والنهي كما توحي هذه الآيات مبدءاً للحياة ، وجب أن يكون للناس إمام يقوم بأمرهم ونهيهم ، ويقيم فيهم الحدود ، ويجاهد فيهم العدو ، ويقسّم الغنائم ، ويفرض الفرائض ـ أبواب ما فيه صلاحهم ـ ويحذّرهم عمّا فيه مضارّهم ... ولهذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أسباب بقاء الخلق ... فوجبا وإلاّ سقطت الرغبة والرهبة ولم يرتدع أحد ، ولفسد التدبير ، وكان ذلك سبباً لهلاك العباد » (١).
هذا هو ما تفيده النظرة إلى الأحكام والتشريعات الإسلاميّة التي لم تنزّل إلاّ للتنفيذ ، ولم تشرّع إلاّ للتطبيق.
أمّا النصوص الإسلاميّة المصرّحة بضرورة قيام الدولة ووجودها فهي أكثر من أن تحصى ، وقد مرّ في الجزء الأوّل قسم منها ونشير هنا إلى ما لم نشر إليه هناك :
قال الإمام عليّ بن موسى الرضا عليهالسلام في حديث طويل حول ضرورة وجود
__________________
(١) المحكم والمتشابه للسيد المرتضى : ٥٠.