فقد قال سوادة للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في أيام مرضه لمّا صعد المنبر وطلب من الناس أن يطالبوه بما لهم عليه من حقّ إن كان : يا رسول الله انّك لمّا اقبلت من الطائف استقبلتك وأنت على ناقتك العضباء وبيدك القضيب الممشوق فرفعت القضيب وأنت تريد الراحلة فأصاب بطني ، فأمره النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يقتص منه ، فقال اكشف لي عن بطنك يا رسول الله فكشف عن بطنه فقال سوادة : أتأذن لي أن أضع فمي على بطنك ، فأذن له ، فقال أعوذ بموضع القصاص من رسول اللّه من النار ، فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : « يا سوادة أتعفو أم تقتصّ » فقال سوادة : بل أعفو يا رسول الله ، فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : « اللهمّ اعف عن سوادة بن قيس كما عفى عن نبيّك محمّد » (١).
ولأجل هذا قال النبيّ الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم : « الناس سواسيّة كأسنان المشط » (٢).
وأوضح نص في هذا المجال هو قول الله تعالى : ( وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ) ( المائدة : ٤٥ ) ، فقد جعل الله النفس في مقابل النفس دون تمييز يعود إلى الغنى والفقر ... وما شابه ذلك.
وقد اعتبر الإسلام أي تمييز بين الأفراد أمام القانون بحجّة الغنى والفقر ، أو القوة والضعف إيذاناً بالسقوط والهلاك والعذاب حيث نقل المحدثون عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قوله : « أيُّها الناس ... إنّما هلك من قبلكم أنّهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضّعيف أقاموا عليه الحدّ » (٣).
كما أنّ أوضح دليل عملي على هذه المساواة هو ما فعله النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في حجّة الوداع ، فإنّه لمّا أبطل ما كان من الربا بين الناس بدأ بعمّه العباس فأبطل ما كان له في ذمّة الناس من الربا قائلاً : « إنّ ربا الجاهليّةُ موضوع وإنّ أوّل ربا أبدأ به ربا العبّاس بن عبد المطلب » (٤).
وعندما وضع ماسبق من دماء الجاهلية بدأ بدم عامر بن ربيعة الذي كان من
__________________
(١) وسائل الشيعة ١٨ : ١٥٦ ، سفينة البحار ١ : ٦٧١ ، وقد ذكر ابن الاثير في اُسد الغابة نظير هذه القصّة ٢ : ٣٧٤.
(٢) من لا يحظره الفقيه ٤ : ٢٧٢.
(٣) صحيح مسلم ٥ : ١١٤.
(٤) تحف العقول : ٢٩ خطبة حجّة الوداع.