وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ) ( التوبة : ٢٤ ).
ولا تكون مذمومة إلاّ إذا أدّى حبّها والتعلّق بها إلى شرائها بالآخرة ، إذ قال سبحانه : ( أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنصَرُونَ ) ( البقرة : ٨٦ ).
ولا تكون مذمومة إلاّ إذا آل الرضا بالدنيا إلى نسيان الآخرة ، كما يقول سبحانه : ( ... أَرَضِيتُم بِالحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ ) ( التوبة : ٣٨ ).
ولكن إذا كانت الدنيا عوناً على الآخرة فنعمت الدنيا ، عندئذ ، ونعمت العون والوسيلة : ( إِن تُقْرِضُوا اللهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ ) ( التغابن : ١٧ ).
وإلى هذا أشار الحديث النبوي الشريف المشهور « الغنى نعم العون على الآخرة ».
ولهذا حثّ القرآن على الأخذ بالدنيا والآخرة معاً ، ولا يجد بينهما تبايناً لو كان الانتفاع بالدنيا من هذا الباب ، كما في قوله : ( وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ) ( القصص : ٧٧ ).
ومن هنا يتبيّن أنّ حاصل الجمع بين الآيات المادحة للدنيا ، والذامّة لها هو أنّ الدنيا محبوبة ومرغوب فيها إذا كانت وسيلة لكسب الآخرة ، والتوصّل إلى المقامات المعنويّة ، ومذمومة ومرغوب عنها إذا كانت هدفاً بنفسها ، وغاية لذاتها.
والكلمة الجامعة في الجمع بين الآيات ما أشار إليه الإمام عليّ عليهالسلام في كلامه في صفة الدنيا حيث قال : « ومن أبصر بها بصّرتهُ ومن أبصر إليها أعمتهُ » (١).
فمن جعلها وسيلة للحياة وطريقاً إلى الآخرة كما يتّخذ الإنسان المرآة وسيلة لرؤية
__________________
(١) نهج البلاغة : الخطبة رقم ٩٧.