نفسه وتشخيص ما في وجهه من آثار وأشياء بصّرته ، ومن جعلها هدفاً واشتغل بها بما هي مطلوبة بالذات لا مطلوبة للغير فإنّها تعمي عن كلّ خير فيها.
وللإمام عليّ عليهالسلام في وصف الدنيا كلمات يتفق مضمونها مع ما ذكرناه فلاحظ من خطبه الكثيرة خصوص الخطبة رقم (٢٠٤) طبعة عبده.
إنّ الدنيا محبوبة في ـ نظر الإسلام ـ إذا كانت وسيلة لعمل الخيرات وبلاغاً إلى الآخرة لأنّها حينئذ ليست إلاّ مطيّة كما صرّح بذلك الحديث النبويّ القائل : « الدُنيا مطيّة المؤمن ».
وتكون مذمومة مبغوضة إذا كانت سبباً لتناسي فعل الخيرات ، وترك المعنويّات وهجرانها ، ومن هنا نكتشف أنّ كلّ طائفة من هاتين الطائفتين : المادحة ، والذامّة ناظرة إلى جهة خاصّة وعنوان خاصّ ، وليست مطلقة.
ومن هنا أيضاً نعرف ، أنّ الإسلام يقيم توازناً فريداً بين الماديّة والمعنويّة ، بين الدنيا والآخرة ، فلا يرجح شيئاً ويترك آخر وهو موقف تفرضه طبيعة الكينونة الإنسانيّة وتتطلّبه حقيقة الفطرة البشريّة.
ولأجل هذا يجب أن تكون الحكومة الإسلاميّة في تركيبها ، ومنهاجها متّصفة بهذا اللون ومتّسمة بهذه الكيفية ، فلا ينصرف همهّا إلى توفير الظروف الماديّة وتتجاهل الجوانب الروحيّة والمعنويّة بل عليها أن تسعى إلى إقامة ذلك التوازن بين الجانبين ، في حياة الاُمّة الإسلاميّة فلا تدع جانباً يطغى على جانب آخر ، ولا تدع شيئاً يأتي على حساب شيء آخر.
إنّ الحكومة الإسلاميّة تتميّز عن سائر الحكومات بأنّ وظيفتها لا تنحصر فقط في توفير الظروف الماديّة للناس ، ولا يقتصر واجبها على تهيئة وسائل الاستفادة المطلقة من أنواع اللذائذ الماديّة كيفما كان ، وبأيّة وسيلة كانت ، بل هي مسؤولة عن العناية بكلا الجانبين على قدم المساواة ، فعليها أن تعتني بالجانب الروحيّ وتعمل جهدها على إصلاحه وإنعاشه كما تعتني بالجانب الماديّ وتهيّء الظروف المعيشيّة الماديّة بأفضل شكل.