وأمّا إذا اختارت الاُمّة رئيساً نافذاً كامل الصلاحيات فله أن يتدخّل في الأمر ويأخذ بما هو مطابق للإسلام ، وإذا كان كلاهما مطابقين مع الموازين الإسلاميّة فللرئيس أن يختار ما هو أصلح لحال الاُمّة ، وأنفع لها سواء أيّدته الأكثريّة أو الأقليّة.
ولعلّه إلى ذلك يشير قوله سبحانه : ( فَإِذَا عَزَمْتَ ) المشير إلى أنّ صاحب القرار الأخير هو الرئيس فهو الذي يعزم ويقصد في مجال الأخذ بالآراء المتضاربة كما في قوله سبحانه : ( وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ ) ( العمران : ١٥٩ ).
فإنّ الآية تتضمّن أمرين :
الأوّل : ايصاء النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بالمشاورة مع المسلمين ، والاستماع إلى آرائهم فإنّ المشاورة واحتكاك الرأي بالرأي الآخر يفيد تلاقح الأفكار ، والوصول إلى النتيجة الناضجة ، والرأي الصواب ، كما يفيد احتكاك الأسلاك الكهربائيّة انبثاق النور والحرارة ولذلك يجب على الحاكم الإسلاميّ ـ على الإطلاق ـ المشاورة ، وتجنّب الاستبداد والتفرّد بالرأي وإلى هذه الوظيفة الحساسة يشير قوله سبحانه : ( وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ).
الثاني : إنّ على الحاكم الإسلاميّ الأعلى بعد المشاورة والاستماع إلى الآراء المختلفة ويقلّب وجوه الرأي ، أن يقيّمها بتعمّق ثم يختار ما هو الأصلح بحال الاُمّة وإلى ذلك يشير قوله سبحانه : ( فَإِذَا عَزَمْتَ ( أي بعد التشاور والعزم على الرأي الأصلح ) فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ ) ونفّذه ، وأوكل الأمر إليه سبحانه ليمدّك ويعينك في المشاكل.
فالخطاب في ( عزمت ) يدلّ على أنّ صاحب القرار ومن بيده الأمر هو نفس ( النبي ) بعد المشاورة.
وبتعبير آخر : إنّ هذا يكشف عن أنّ وظيفة الاُمّة اتّجاه النبيّ الأكرم هو مجرّد الإدلاء بالرأي وإبداء النظر ، وأمّا القرار النهائيّ فله صلىاللهعليهوآلهوسلم ومن شأنه وحده ، ويؤيّد ذلك ما روي عن الإمام عليّ عليهالسلام حيث قال لابن عباس في إحدى الوقائع وقد اشار ابن