عباس على الإمام ما لم يوافق رأيه : « لك أن تُشير عليّ وأرى ، فإن عصيتُك فأطعني » (١).
إذن فلرئيس الدولة الأعلى أن يختار عند اختلاف الآراء ما هو أصلح لحال الاُمّة وأقرب إلى الموازين الإسلاميّة ، وإلاّ انحصر الطريق في تغليب الأكثريّة على الأقليّة لما ذكرنا.
وأمّا سيرة الرسول في الشورى فلم يظهر منه أنّه قدّم الأكثريّة على الأقليّة إطلاقاً ، بل الظاهر أنّه بحكم أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم كان مفوّضاً إليه الأمر على الإطلاق في التصميم واتّخاذ القرار والاستنتاج كما هو الظاهر من خطابه سبحانه إليه ( فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ ) أنّ يقدّم ما هو الحقّ والصلاح أو الأحقّ والأصلح على غيره سواء أوافق نظرية الأكثرين أم خالفها.
هذا وللرسول الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم عدة مشاورات ضبطها التاريخ مبثوثة في طيّات الكتب والمؤلّفات ونحن نجمعها في مكان واحد حتّى تتبيّن كيفيّة استشارته.
إنّ للرسول الأعظم مشاورات خمس حسبما وقفنا عليها وإليك توضيحها :
الاُولى / في غزوة بدر ، قبل أن يواجه العدو ، فاستشار الناس ، وأخبرهم بأمر قريش فقام أبو بكر وقال : يا رسول الله إنّها والله قريش وعزّها ، والله ما ذلّت منذ عزّت ، والله ما آمنت منذ كفرت ، والله لا تسلّم عزّها أبداً فاتّهب لذلك أهبته وأعدّ لذلك عدّته ، وتكلّم بمثله أيضاً عمر ، ثمّ قام المقداد بن عمرو فقال يا رسول الله : امض لأمر الله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لنبيّها : ( فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ) ( المائدة : ٢٤ ) ولكن اذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا معكما مقاتلون.
فقال له رسول الله خيراً ودعا له بخير ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « أشيرُوا عليّ أيُّها النّاسُ » وإنّما يريد رسول الله الأنصار وكان يظنّ أنّ الأنصار لا تنصره إلاّ في الدار ، وذلك أنّهم شرطوا له أن يمنعوه ممّا يمنعون منه أنفسهم وأولادهم فقال رسول الله : « أشيروا عليّ ».
__________________
(١) نهج البلاغة : باب الحكم ( الرقم ٣٢١ ) وقد مرّ في الصفحة ٣٩١ و ٣٩٢ ما يدلّ على ذلك أيضاً.