وأصحابه جاءه الحبّاب بن المنذر فقال يا رسول الله : إنّا قد دنونا من الحصن فإن كان عن أمرنا سلمنا ، وإن كان عن الرأي فالتأخّر عن حصنهم ... قال : فأَسكت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وينقل الواقدي عن عمرو بن أميّة أنّ رسول الله دعا الحباّب بن منذر فقال : « أُنظُر مكاناً مُرتفعاً مُستأخراًعن القوم » فخرج الحبّاب حتّى انتهى إلى موضع مسجد الطائف فجاء إلى النبيّ فأخبره فأمر رسول الله أصحابه أن يتحوّلوا (١).
وأنت إذا عطفت النظر على المشورتين الرابعة والخامسة تقف على أنّ قبول النبيّ لقول المشاورين كان من باب الأخذ بالأحقّ والأصلح في مجال العمل وهو حفظ كيان الأنصار وصون دمائهم وأموالهم بعد أن رأى أنّ العرب تألّبت عليهم ، وقصدت رميهم عن قوس واحدة فلمّا تكلّم مع رئيس الأوس سعد بن معاذ ورأى فيهم قوّة قلب ورباطة جأش وإصراراً على المواجهة والتفدية والتضحية انقلب الموضوع فنزل عند رأيهم وطلب منهم على مواصلة الحرب.
كما أنّ النزول عند اقتراح من اقترح تغيير المعسكر لم يكن إلاّ تقديراً لاقتراح المقترح مع كون النزول في المعسكرين سواسية.
فالناظر في تلكم المشاورات يجد أنّ النبيّ لم يكن يقدّم رأياً ويؤخّر اُخرى لأجل الأقليّة والأكثريّة ، بل لإنّه كان يستمع لجميع الأراء والاقتراحات ثم يختار ما هو الأصوب.
ولأجل ذلك نرى أنّه ربما كان يعارض رأي الجماعة ... كما في صلح الحديبيّة فإنّ أكثر الأصحاب ممّن كان يعبأ بقوله ورأيه كانوا يخالفونه في عقد الصلح مع المشركين في الحديبية ومع ذلك كلّه فقد عقد الصلح ، وأمضاه ، راجع تفصيل ذلك كلّه في السير والتواريخ (٢).
وأوضح من ذلك قصّة اُسامة بن زيد حيث عقد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم اللواء له وفعل
__________________
(١) المغازي للواقديّ ٣ : ٩٢٥ ـ ٩٢٦.
(٢) سيرة ابن هشام ٢ : ٣١٦ ـ ٣١٧.