النصر إن هم صبروا وكان رسول الله يكثر مشاورتهم في الحرب فقال : « أنبرز لهم من المدينة أم نكون فيها أم نكون قريباً ونجعل ظهورنا إلى هذا الجبل » ، فاختلفوا فقالت طائفة : نكون ممّا يلي بعاث إلى ثنية الوداع إلى الجرف وقال قائل : ندع المدينة خلوفاً ... فقال سلمان يا رسول الله إنّا إذ كنّا بأرض فارس وتخوّفنا الخيل خندقنا علينا فهل لك يا رسول الله أن نخندق ، فأعجب رأي سلمان المسلمين وذكروا حين دعاهم النبيّ يوم اُحد أن يقيموا ولا يخرجوا فكره المسلمون الخروج وأحبّوا الثبات في المدينة.
ومن المعلوم أنّ تقديم نظريّة سلمان مع أنّه كان واحداً بين المشاورين كان لأجل كونه رأياً رصيناً ونظريّة صائبة ، وكان مصداقاً لقوله تعالى : ( فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ ).
الرابعة / في غزوة الخندق أيضاً ، عندما اشتد على الناس البلاء بعث النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى عيينة بن حصن وإلى الحارث بن عوف قائد غطفان فأعطاهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا حتّى كتبوا الكتاب ولم تقع الشهادة ولا عزيمة الصلح إلاّ المراوضة في ذلك ، فلمّا أراد رسول الله أن يفعل بعث إلى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة فذكر ذلك لهما واستشارهما فيه ، فقال له : يا رسول الله أمراً نحبّه فنصنعه ، أم شيئاً أمرك الله به أم شيئاً تصنعه لنا ، قال : « بل شيء أصنعهُ لكُم ، واللّهما أصنعُ ذلك لأنّي رأيتُ العرب رمتكُم عن قوس واحدة » فقال له سعد بن معاذ : يا رسول الله قد كنّا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان لا نعبد الله ولا نعرفه وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها تمرة إلاّ قرى أو بيعاً ، أفحين اكرمنا بالإسلام ، وهدانا له وأعزّنا بك وبه نعطيهم أموالنا ؟ ... قال رسول الله : « فأنت وذاك » ، فتناول سعد بن معاذ الصحيفة فمحى ما فيها من الكتاب (١).
الخامسة / ما ورد في غزوة الطائف ما يشبه المشاورة ، وذلك عندما مضى رسول الله حتّى نزل قريباً من حصن الطائف ، فضرب عسكره هناك ، فساعة حلّ رسول الله
__________________
(١) المغازي للواقديّ ٢ : ٤٤٤ ـ ٤٤٥.