وكمثل بسيط نذكر لك قصّة صفوان بن اُميّة الذي كان يعادي النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فخرج هارباً ، فأمّنه النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وأعطاه عمامته التي دخل فيها مكّة كوثيقة للأمان فلمّا اطمأن ورجع حتّى وقف على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : إنّ هذا يقول : إنّك قد أمنّتني ، قال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : « صدق » قال : فاجعلني فيه بالخيار شهرين.
قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : « أنت بالخيار فيه أربعة أشهُر » (١).
وهكذا نجد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم يخيّر هذا المشرك ويمهله أربعة أشهر ليفكّر ويختار الإسلام عن قناعة وقبول.
ولعلّ أوضح دليل في هذا المجال هو قوله سبحانه : ( وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ المُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ ) ( التوبة : ٦ ).
وهنا لا بدّ أن نسجّل أنّ هذه الآيات والمواقف الصريحة في حريّة الاعتقاد تكذّب الاتّهام القائل بأنّ الإسلام انتشر بالسيف ، فالإسلام انتشر بالتبليغ الحسن ، والدعوة الخالصة ورغبة الشعوب فيه.
وهذه هي حقيقة يعترف بها الأجانب قبل الأصدقاء ، فهذا هو غوستاف لوبون في كتاب حضارة العرب يقول :
( انّ القوّة لم تكن عاملاً في انتشار القرآن فقد ترك العرب المغلوبين على أمرهم أحراراً في أديانهم ولم ينشر الإسلام بالسيف بل انتشر بالدعوة وحدها ، وبالدعوة وحدها اعتنقت الشعوب التي قهرت العرب مؤخّراً كالترك والمغول ، وأدرك الخلفاء السابقون أنّ النظم والأديان ليست ممّا يفرض قسراً فعاملوا أهل كلّ قطر استولوا عليه بلطف عظيم ، فالحقّ أنّ الاُمم لم تعرف فاتحين راحمين متسامحين مثل العرب ( المسلمين ) ولا ديناً سمحاً مثل دينهم ) (٢).
__________________
(١) سيرة ابن هشام ٢ : ٤١٧ ـ ٤١٨.
(٢) روح الشرائع ٢ : ١٧٨ ـ ١٧٩ نقله عادل زعيتر في هامشه عليه.