على أنّ المنهج الذي اختاره الإسلام هو جعل الإيمان مقروناً بالعلم ، والعلم مقروناً بالإيمان ... فالمكتفي بأحدهما كطائر يحلّق بجناح واحد ... ولذلك نرى أنّ الله سبحانه يقرن أحدهما بالآخر في كتابه إذ يقول : ( يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ) ( المجادلة : ١١ ).
وكقوله : ( وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإِيمَانَ ... ) ( الروم : ٥٦ ).
وممّا يدلّ على ذلك ما نراه ـ إذا سرنا في البلاد الإسلاميّة ـ من بناء الجامعات إلى جنب المساجد الذي يشير بوضوح إلى عدم التفكيك بين العلم والإيمان ، وبين الدين والمعرفة في الحوزات الإسلاميّة العلميّة المبثوثة في كلّ أرجاء العالم الإسلاميّ أو انعقاد الحلقات الدراسيّة في المساجد. ولقد بلغ حثّ الإسلام على اكتساب العلم والمعرفة حدّاً بليغاً حتّى أنّه حرّض على الهجرة في سبيل اكتساب العلم ، عندما حثّ على أن يخرج من كلّ فريق طائفة تسافر إلى المدينة ، ليدركوا حضرة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وليتعلّموا منه ما يحتاجون إليه من العلوم والمعارف الإلهيّة المفيدة ثم يرجعوا إلى قومهم ... وهو أمر يدلّ ضمناً على أنّ الإسلام كان ممن أسّس بنيان الحوزات العلميّة والجامعات وهي حقيقة يدلّ عليها قوله سبحانه : ( فَلَوْلا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) ( التوبة : ١٢٢ ).
فإنّ هذه الآية وإن فسّرت بوجوه غير أنّ الأظهر في تفسير الآية ما روي عن الإمام الصادق عليهالسلام :
قال عبد الله بن المؤمن الأنصاريّ قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : إنّ قوماً يروون أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : « اختلافُ اُمّتي رحمة » فقال : « صدقُوا » فقال : إن كان اختلافهم رحمة فاجتماعهم عذاب ؟ قال : « ليس حيثُ تذهب وذهبُوا ، إنّما أراد قول الله عزّ وجلّ : ( فَلَوْلا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) فأمرهم أن ينفروا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ويختلفوا إليه فيتعلّموا ثمّ يرجعوا إلى قومهم فيعلّموهم ، إنّما أراد اختلافهم من البلدان لا اختلافاً في دين الله إنّما الديّن