أمّا التعهّد من جانب واحد فهو شكل بسيط من التعهّدات ... فإنّ الدولة تلتزم من ناحيتها باُمور اتّجاه دولة اُخرى بصورة ابتدائية ، كأن تعترف بها ، وبأمنها وتتعهّد بعدم العدوان عليها وعدم التعرّض لها ، ونحن نجد ـ في الإسلام ـ نماذج من هذا النوع ، فعندما خرج النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى تبوك في ملاحقة الروم ، فانتهى إلى تبوك أتاه يحنة بن رؤبة صاحب أيلة ، فصالح رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فأعطاه النبيّ كتاباً التزم فيه باُمور وإليك نصّه :
« بسم الله الرّحمن الرّحيم هذه أمنة من الله ومحمّد النبيّ رسول الله ليحنة بن رؤبة وأهل أيلة سفنهم وسيّارتهم في البرّ والبحر لهم ذمّة الله ، وذمّة محمّد النبيّ ، ومن كان معهم من أهل الشّام وأهل اليمن وأهل البحر فمن أحدث منهم حدثاً فإنّه لا يحول ماله دون نفسه وأنّه طيّب لمن أخذه من النّاس وأنّه لا يحلّ أن يمنعوا ماءً يردونه ولا طريقاً يريدونه من برّ أو بحر » (١).
إنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم يتعهّد لتلك الجماعة بأن يحترم أمنهم في كلّ الحالات والأماكن ويعترف لهم بحقّ الحياة والعيش ، ويضمن سلامة تنقّلاتهم من دون أن يأخذ منهم تعهّداً متقابلا.
وأمّا التعهّدات المتقابلة فهي أيضا على قسمين : فتارة يلتزم الطرفان بالاُمور السلبيّة مثل : أن يتعهّدا بأن لا يتعرّض أحدهما للاخر ، وغير ذلك ، وتارة يلتزم الطرفان بالاُمور الإيجابيّة مثل التعهّد بالتبادل التجاريّ والثقافيّ ، ونحن نرى نماذج من كلا النوعين في تاريخ الحياة السياسيّة للإسلام.
ونمثّل للنوع الأوّل بقصّة بني ضمرة.
فإنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لما بلغ « ودان » وهي غزوة الأبواء يريد قريشاً ، وبني ضمرة بن بكر بن عبد منات بن كنانة فوادعته فيها بنو ضمرة ، وكان الذي وادعه منهم عليه مخشي ابن عمرو الضمري وكان سيّدهم في زمانه ، فلمّا خرج الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى بدر ينتظر أبا سفيان لميعاده فأتاه مخشي بن عمرو الضمري وهو الذي وادعه على بني ضمرة في
__________________
(١) سيرة ابن هشام ٢ : ٥٢٥.