ثمّ إنّنا نلاحظ كيف استفاد عيون الرسول من تقصّي الخبر ، مع الإستفادة الكاملة من قاعدة التستّر والسريّة وهو أمر كان يهتمّ به الرسول في كلّ عمليّاته الاستطلاعيّة ، فها هو عندما يبعث أحد أصحابه للاستطلاع يحيط مهمّته بكامل السريّة والتحوّط وإليك القصّة :
بعث رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عبد الله بن جحش بن رئاب الأسدي في رجب ، مقفله من بدر الاُولى وبعث معه ثمانية رهط من المهاجرين وكتب له كتابا وأمره أن لا ينظر فيه حتّى يسير يومين ثمّ ينظر فيه فيمضي لما أمره به ولا يستكره من أصحابه أحداً.
فلمّا سار عبد الله بن جحش يومين فتح الكتاب فنظر فإذا فيه : « إذا نظرت في كتابي هذا فأمض حتّى تنزل نخلةً بين مكّة والطّائف فترصُد بها قُريشاً وتعلم لنا من أخبارهم ».
فلمّا نظر عبد الله بن جحش قال : سمعاً وطاعة (١).
ألا ترى كيف أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فرض على مبعوثه أن لا يطلع على الكتاب الذي أعطاه خوف أن يتسرّب الخبر إلى الناس فيتسرّب منهم إلى قريش وتفشل خطة الرسول.
٤. لقد كانت معركة أحد من المعارك الصعبة التي فقد فيها الرسول الأكرم ٧٠ شخصا من أصحابه بمن فيهم حمزة أسد الله وأسد رسوله ولكن لو لم يكن يعرف الرسول ـ قبل ذلك ـ أوضاع العدو لفاقت الخسائر ما وقع.
فإنّ قريشا لمّا خرجت وهم ثلاثة آلاف ومعهم عدة وسلاح كثير وقادوا مائتي فرس وكان فيهم سبعمائة دارع وأجمعوا المسير كتب العبّاس بن عبد المطلب كتاباً وختمه واستأجر رجلاً من بني غفار واشترط عليه أن يسير ثلاثاً إلى رسول الله يخبره « أنّ قريشا قد أجمعت المسير إليك فما كنت صانعاً إذا حلّوا بك فاصنعه وقد توجّهوا إليك وقادوا مائتي فرس ، وفيهم سبعمائة دارع وثلاثة آلاف بعير واوعبوا من السلاح » فقدم الغفاري إلى المدينة فوجد النبيّ بقباء وهي قرية متّصلة بالمدينة فدفع إليه الكتاب فقرأه
__________________
(١) سيرة ابن هشام ١ : ٦٠١.