أُحْيِي وَأُمِيتُ ) ( البقرة : ٢٥٨ ).
إنّ التاريخ مليء بالم آسي التي سببّتها الديكتاتوريّة والاستبداد للناس وحوّلت حياتهم إلى جحيم لا يطاق ، فمن يمكن أن ينسى ما لحق ببعض الناس الأبرياء على أيدي أصحاب الاخدود ، الذين يذكرهم القرآن ، وكانوا ملوكاً جبابرة ... أرادوا أن يحملوا الناس على عقيدتهم ومسلكهم فلمّا رفض الناس ذلك خدُّوا لهم أخدوداً وخندقاً ، وأوقدوا فيه النار ، ورموا اولئك الناس فيها أحياء مع أولادهم وأطفالهم ... وكان ذلك من أشدّ ما عاناه الناس على أيدي الملوك المستبدّين ، إذ يقول القرآن وهو يصبُّ لعناته عليهم : ( قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ بِالمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ * وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُوا بِاللهِ الْعَزِيزِ الحَمِيدِ ) ( البروج : ٤ ـ ٨ ).
ففي تفسير القمّي في قوله تعالى : ( قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ ) ( كان سببه ، أنّ آخر ملك من ملوك حمير تهوّد ، واجتمعت معه حمير على اليهودية ، وسمّى نفسه يوسف وأقام على ذلك حين من الدهر.
ثمّ أخبر أنّ بنجران بقايا قوم على دين النصرانية ، وكانوا على دين عيسى وحكم الانجيل ، فحمله أهل دينه على أن يسير إليهم ويحملهم على اليهودية ، ويدخلهم فيها فسار حتى قدم نجران ، فجمع من كان بها على دين النصرانية ، ثمّ عرض عليهم دين اليهوديّة والدخول فيها ، فأبوا عليه ، فجادلهم وعرض عليهم وحرص كل الحرص أن يدخلوا في اليهوديّة ، فأبوا عليه وامتنعوا من اليهودية والدخول فيها ، واختاروا القتل.
فاتّخذ لهم أخدوداً [ أي خندقاً ] وجمع فيه الحطب ، وأشعل فيه النار ، فمنهم من أحرق بالنار ، ومنهم من قتل بالسيف ، ومثّل بهم كلّ مثلة فبلغ عدد من قتل وأحرق بالنار : عشرين ألفاً ) (١).
وفي حديث آخر حول هذه الآية عن عليّ بن أبي طالب عليهالسلام : « أنّ ملكاً
__________________
(١) تفسير القمّي كما في نور الثقلين ٥ : ٥٤٤.