سكر فوقع على ابنته [ أو قال على اخته ] فلمّا أفاق قال لها كيف المخرج ممّا وقعت فيه. . قالت : تجمع أهل مملكتك وتخبرهم أنّك ترى [ أي تجوّز ] نكاح البنات وتأمرهم أن يحلّوه فأخبرهم ، فأبوا أن يتابعوه ، فخدّ لهم اخدوداً في الأرض وأوقد فيه النيران وعرضهم عليها ، فمن أبى قبول ذلك قذفه في النار ، ومن أجاب خلى سبيله » (١).
وهكذا يبلغ الاستبداد بالحاكم والملك المستبد إلى أن يرتكب ما يريد ، ويستبيح كلّ حرام ، ويأتي بكل منكر ، ويدعو قومه مع ذلك إلى متابعته ، وإلاّ قتلهم ونكّل بهم وعذّبهم وأخذهم بأشدّ عقاب.
إنّ ما يذكره القرآن الكريم عن فرعون أو بعض الملوك من الاستبداد وما يترتب عليه من مفاسد خطيرة ، لا يختصُّ بفرعون ومن ذكرهم القرآن خاصة ، بل هي خصّيصة تلازم النظام الملكيّ باعتباره حكماً فردياً لا ينطلق من مقاييس إلهيّة وإنسانيّة وأخلاقيّة ، بل ينطلق من التسلط والقهر ، وحمل الفرد نفسه على رقاب الشعوب ... وإنّما ذكر القرآن فرعون وخصّه بالذكر ، لكونه مثلاً حيّاً ونموذجاً معروفاً للملك المستبدّ.
على أنّ آثار الاستبداد ومفاسده على درجات ومراتب في الكمّية والكيفيّة حسب توفُّر هذه الخصلة [ الاستبداد ] في الحاكم والملك.
فمن مستبد يسلب بعض الحريات ويترك بعضها ، إلى آخر يسلب جميعها جملةً واحدةً ويتجاوز الحدود ويستأثر بفيء العباد ، إلى آخر يتصوّر نفسه مالكاً للبلد الذي يحكم فيه ، ومالكاً لأهله وما فيه قاطبةً ، إلى آخر يشتدُّ فيه الاستبداد حتّى يدعي الالوهيّة ، أو يصف نفسه بأنّه الإله الأعلى وعلى الناس أن يعبدوه إلى ... وإلى ..
فأين هذا النظام من الحكومة التي ينشدها الإسلام ويريد اقامتها ، حيث يخاطب الله تعالى نبيّه داود ـ بصددها ـ بقوله : ( يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللهِ ) ( ص : ٢٦ ).
أو يخاطب نبيّه محمّداً صلىاللهعليهوآلهوسلم قائلاً : ( وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ
__________________
(١) مجمع البيان ١٠ : ٤٦٥ والدرّ المنثور للسيوطيّ ٦ : ٣٣٣.