قالت عائشة : فصار الحيّان ( الأوس والخزرج ) حتّى همّوا أن يقتتلوا ، ورسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قائم على المنبر.
قالت : فلم يزل رسول الله يخفّضهم ( أي يهدّئهم )حتّى سكتوا وسكت (١).
فكيف كان يجوز ـ والحال هذه ـ أن يترك الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم اُمّته المفطورة على العصبيّات القبليّة ، وعلى الاستئثار بالسلطة والزعامة وحرصها على النفس ، ورفض سلطة الآخر ؟
فهل كان يجوز للنبيّ أن يترك تعيين مصير الخلافة لتقوم به اُمّة هذه حالها ، وفي تعيينه قطع لدابر الاختلاف والفرقة ؟
وهل كان من المحتمل أن تتفق كلمة الاُمّة جمعاء على واحد ... ولا تخضع للرواسب القبليّة ولا تبرز إلى الوجود مرّة اخرى ما مضى من الصراعات والتطلّعات العشائرية ، وما يتبع ذلك من حزازات ؟
أم هل يصلح لقائد يهتمّ ببقاء دينه واُمّته أن يترك أكبر الاُمور وأعظمها ، وأشدّها دخالةً في حفظ الدين ، إلى اُمّة نشأت على الاختلاف ، وتربّت على الفرقة ، مع أنّه كان يرى الاختلاف منهم في حياته أحياناً أيضاً كما عرفت ؟
إنّ التأريخ يدلّ على أنّ هذا الأمر قد وقع فعلاً بعد وفاة النبيّ ـ في السقيفة التي سيأتي ذكرها مفصّلاً ـ حيث سارعت كلّ قبيلة إلى ترشيح نفسها للزعامة ، منتحلةً لنفسها حججاً وأعذاراً ... وطالبةً ما تريد بكلّ ثمن حتّى بتجاهل المبادئ وتناسي التعاليم الإسلاميّة ، والوصايا النبويّة.
فقد ذكر ابن هشام تحت عنوان « أمر سقيفة بني ساعدة ، تفرّق الكلمة » نقلاً عن عمر بن الخطاب ، ما يدلّ على اختلاف الكلمة وعدم الاتفاق على أحد :
قال عمر : لمّا جلسنا ( أي في سقيفة بني ساعدة ) قام واحد من الأنصار فأثنى
__________________
(١) صحيح البخاري ٥ : ١١٩ باب غزو بني المصطلق.