فإن قيل : ما أنكرتم أن يكون الذين أشرتم إليهم لم يعملوا بهذه الأخبار لمجرّدها ، بل إنّما عملوا بها لقرائن اقترنت بها دلّتهم على صحّتها ، ولأجلها عملوا بها ، ولو تجرّدت لما عملوا بها ، وإذا جاز ذلك لم يمكن (١) الاعتماد على عملهم بها.
قيل لهم : القرائن التي تقترن بالخبر وتدلّ على صحّته أشياء مخصوصة نذكرها فيما بعد من الكتاب والسنّة والإجماع والتواتر ، ونحن نعلم أنّه ليس في جميع المسائل التي استعملوا فيها أخبار الآحاد ذلك ؛ لأنّها اكثر من أن تحصى موجودة في كتبهم وتصانيفهم وفتاواهم ؛ لأنّه ليس في جميعها يمكن الاستدلال بالقرآن ؛ لعدم ذكر ذلك في صريحه وفحواه ودليله ومعناه. ولا بالسنّة (٢) المتواترة ؛ لعدم ذكر ذلك في أكثر الأحكام ، بل وجودها في مسائل معدودة. ولا بإجماع (٣) ؛ لوجود الاختلاف في ذلك.
فعلم : أنّ دعوى القرائن في جميع ذلك دعوى محالة. ومن ادّعى القرائن في جميع ما ذكرنا كان السبر بيننا وبينه ، بل كان معوّلا على ما يعلم ضرورة خلافه ، ومدافعا لما يعلم من نفسه ضدّه ونقيضه.
ومن قال عند ذلك : إنّي متى عدمت شيئا من القرائن حكمت بما كان يقتضيه العقل ، يلزمه أن يترك أكثر الأخبار وأكثر الأحكام ولا يحكم فيها بشيء ورد الشرع به ، وهذا حدّ يرغب أهل العلم عنه ،
__________________
(١) في (ت) ، (ر) و (ص) : «لم يكن».
(٢) كذا في (ت) و (ه) ، وفي غيرهما والمصدر : «في السنّة».
(٣) كذا في (ت) و (ه) ، وفي غيرهما : «في إجماع» ، وفي المصدر : «في الإجماع».