هذا المنام خوفا وفزعا. ولما أن طالت غيبة الوليد ظن أنه بهت ، فلما رأى المنام أيقن بحياته فعزم على أن يجمع مالا ويخرج من مصر ، ثم أنه استشار السحرة والكهنة ، فقالوا : نحن نمنعه منك على أن تسمع منا.
قالوا : تعمل صورة عقاب فتتعبد له ، فقد رأيت في منامك منه ما رأيت ، على أن تفعل ذلك. قال عون : ولقد قال لي حين حملني : احفظ هذا ولا تنسه.
فعمل تمثال عقاب من ذهب وعيناه جوهرتان ووشحه بأصناف الفصوص ، وعمل له هيكلا عظيما لطيفا وعلقه في صدر ذلك الهيكل وأرخى عليه ستائر (١) الحرير ، وبخره وقربه له حتى صوت ، وتعبد له عون ودعا الناس لذلك ، ثم بنى له مدينة عجيبة فعند بنائها لم يدع فاعلا ولا صانعا ولا مهندسا ممن له خبرة بالبناء ، ونحت إلا وأرسله للعمل به.
المدينة التي بناها عون في صحراء الغرب :
لما فرغ من تصوير التمثال أمره شيطانه أن يبني له مدينة فتكون حرزا ، فأمر عون بجمع كل ساحر وصانع ، فلما اجتمعوا أمر أصحابه أن يبنى / له مدينة في صحراء الغرب ، فاختاروا له أرضا سهلة حسنة الاستواء ، ويكون المدخل إليها من بين هجول صعبة ، وجبال وعرة ، وقريبة من مغيض الماء التي هي اليوم الفيّوم فإنها كانت مغيضا لمياه النيل حتى أصلحها نبي الله يوسف عليهالسلام ، وإنما أراد عون بذلك أن لا يجري الماء إلى المدينة منها على الصنعة التي أرادها ، فعند ذلك لم يدع بمصر صانعا ولا فاعلا ولا مهندسا ولا من له خبرة بنحت الصخور وتأليفها وبناء القصور وتشييدها إلا وجه به إليهم ، وأنفذ منهم من جيشه ألف رجل وسبعمائة ساحر يعاونوهم بالروحانيين الذين هم في طاعتهم ، وحمل لهم على العجل زادا يكفيهم شهورا حتى تم لهم البناء ، وهي اليوم واضحة في صحراء الغرب يقصدها الطالبية مشهورة بطريق العجل.
فلما فرغوا من إحكام البناء خط المدينة فرسخين في مثلها وحفروا في الوسط بئرا جعلوا فيه صورة خنزير نحاس جمع من أخلاط مديرة ونصب (٢) على قاعدة نحاس وجعلوا وجهه إلى الشرق ، وكان ذلك بطالع زحل واستقامته وشرفه ، وذبحوا له خنزيرا ، ولطخوا وجهه بدمه ، وبخروه بشيء من شعره ، وأخذوا من شعره وعظمه ولحمه ودمه ومرارته فجمعوه وجعلوه في جوف ذلك الخنزير النحاس وجعلوا في أذنيه شيئا من مرارته ، وأحرقوا بقيته ، وجعلوا رماده في قلّة من نحاس تجاه ذلك الخنزير ، ونقشوا عليه
__________________
(١) في المخطوط : سائر ، وهو تحريف.
(٢) في المخطوط : ونصبوا ، وهو تحريف.