الظرف تارة ، ولتلافي سوء استفادة الأعداء من ذلك أخرى ، وربما يكون ذلك بسبب عدم توفر المستوى المطلوب من الوعي ، وعدم توفر حسن تقدير الأمور ، والعجز عن التدقيق في مناشئها وفي غاياتها ، وإدراك ذلك وتوظيفه في حركة الواقع بصورة سليمة وقويمة ..
فلا يبقى ثمة من وسيلة تحفظ للمؤمنين إيمانهم ، حين تختلط عليهم الأمور سوى أن يتلمسوا بوجدانهم ، ويشعروا بكل وجودهم ، وأن يحسوا بكل قواهم الباطنية ، ويشاهدوا بأم أعينهم حقيقة اللطف الإلهي ، والكرامة الربانية لرسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، ليكون هذا الارتباط بالغيب عن طريق الحواس الظاهرية هو الضمانة لحفظ التوازن في الباطن .. بعد أن عجزت عقولهم عن الإمساك بأسباب هذا التوازن ، بسبب فقدها لبعض ما يفيدها في ذلك ..
وقد كانت الأمور في غزوة الحديبية ـ بما تفرضه الخصوصيات والأحوال ـ تتجه نحو اتخاذ قرار يصعب فهمه على الكثيرين ، ويصعب أيضا توضيح مناشئه وغاياته .. ونتائجه. كما أن أصحاب الأهواء والأغراض الدنيئة ، وخصوصا من أهل النفاق ، قد يجدونها فرصة سانحة لإشاعة شبهاتهم ، ونشر أباطيلهم ، بنحو يصعب رتق الفتق الذي قد يتمكنون من إحداثه ، بسبب استغلالهم السيء لظرف صعب ودقيق.
وقد أظهرت الوقائع : أنه حتى الذين يزعمون أنهم في مواقع القرب من موقع القرار قد أعلنوا تشكيكا خطيرا ، حين كان الرسول «صلىاللهعليهوآله» يكتب الكتاب في الحديبية حسبما سيأتي توضيحه .. فكانت هناك سياسات إلهية دقيقة تقضي بحفظ وحدة الناس ، وترسيخ إيمانهم ، وتقوية