وأمّا ثالثا : فلأنّ قوله : ويؤكّد ذلك ... الخ.
يرد عليه : أنّها عمومات لا تفيد إلّا الظنّ وإن كان سندها قطعيّا ، بل هي ظاهرة في غير الفروع ، وشمول عموم ما دلّ على حجّية ظاهر القرآن لما نحن فيه ، ممنوع. لأنّه إن كان هو الإجماع ، ففيما نحن فيه أوّل الكلام وإن كان غيره ، فهو ليس إلّا الظّنون الحاصلة من الأخبار ، وإن فرض التواتر في تلك الأخبار ، فقد مرّ الكلام في الاستدلال بها (١).
وأمّا رابعا : فلأنّ قوله : إذ نحكم بجواز تركه بمقتضى الأصل ... الخ.
فيه : أنّ ذلك لا ينطبق على مدّعاه ، إذ المفروض أنّ رجحان غسل الجمعة يقينيّ ، ولكنّه مردّد بين الوجوب والاستحباب ، لا ثالث لهما.
وما ذكره من الحكم بجواز الترك وأصل البراءة إن أراد نفي الوجوب مع عدم الحكم بالاستحباب ، فهو لا يلائم ما ثبت يقينا من الشّرع.
وإن أراد إثبات الاستحباب ، فهو ليس إلّا معنى ترجيح أحاديث الاستحباب على أحاديث الوجوب بسبب الاعتضاد بالأصل. وأمّا الحكم بسبب الأصل (٢) ، انّ الرّجحان الثابت بالإجماع (٣) والضّرورة لا بدّ أن يكون هو الرّجحان الاستحبابي دون الوجوبي ، فهو لا يتمّ إلّا بترجيح أصل البراءة على الاحتياط ، وهو موقوف على حجّية هذا الظنّ.
وبالجملة ، الجنس لا بقاء له بدون الفصل ، والثابت من الشّرع أحد الأمرين ،
__________________
(١) في باب حجيّة الكتاب من أنّ دلالتها ظنّية ولو أنّنا سلّمنا بالقطعية أيضا فهي تكون ظاهرة في الأصول دون الفروع ويظهر ذلك بما مرّ.
(٢) قال في حاشية : هذا من متعلّقات الشّق الثاني وليس شقا على حدة.
(٣) لا بالأخبار.