الأحاديث المجتمعة عندنا من الكتب الأربعة وغيرها ، أكثر ممّا كان عند كلّ واحد من أصحاب الأئمّة عليهمالسلام من تلك الأصول بلا شكّ ولا ريب ، ومع ذلك فالفروع المتكثّرة في كتب الفقهاء الخالية عن النصوص أكثر ممّا وجد فيه النصّ بمراتب شتّى ، وما لم يذكروه في كتب الفروع وما يتجدّد يوما فيوما أضعاف مضاعف ما ذكروه ، بل لا يتناهى ولا يعدّ ، فلو كان يلزم عليهم تبليغ أحكام الجميع بالخصوص ، فيلزم أنّهم ـ العياذ بالله ـ قصّروا في ذلك لعدم تبليغ ذلك بالخصوص في الجميع جزما.
فظهر أنّهم اكتفوا في جميع ذلك بالأصول الملاقاة إلينا بقولهم : «علينا أن نلقي إليكم الأصول وعليكم أن تفرّعوا» (١).
وهذا من أقوى الأدلّة على جواز العمل بالظنّ في الأحكام الشرعيّة ، إذ غاية ما في الباب جعل الفرع من جزئيّات أصل وقاعدة ، ولا ريب أنّ دلالة العامّ والقاعدة على جزئيّاتهما ظنّيّة.
فنقول : إنّ الواجد للأصل والأصلين (٢) من أصحاب الأئمة عليهمالسلام كان عالما بالأصول الأصليّة التي هي أمّهات المسائل مثل أصل البراءة ، وعدم جواز نقض اليقين بالشكّ ، وعدم العسر والحرج ، وعدم التكليف بما لا يطاق ، وأصالة الإباحة فيما لا ضرر فيه ، وقبح الظلم والعدوان ، والإضرار ، ونحو ذلك ، وبيّنوا لهم في جواب مسائلهم كثيرا من الخصوصيّات وكثيرا من العمومات الواردة في الكليّات ، ولم يظهر من حالهم أنّ تلك العمومات الثابتة في الأصل والأصلين كانت أبكارا لم يصلها أيدي التخصيص ، فلعلّ الرّواة كانوا يعلمون أنّ مرادهم عليهمالسلام
__________________
(١) «الوسائل» : ٢٧ / ٦١ ح ٣٣٢٠١.
(٢) للكتاب والكتابين.