المجموع ، وأمّا قيامه بإقناع كل فرد فرد على حدة وتنفيذ طلبات آحاد الناس فلا دليل عليه ، وتشهد على ذلك حياة الأنبياء ، فقد أعطى سبحانه لموسى الكليم تسع آيات بيّنات ، وللمسيح ما آتاه من المعجزات الواردة في قوله سبحانه : ( أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَأُحْيِي المَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِن كُنتُم مُؤْمِنِينَ ) (١).
أقول : إنّ الله سبحانه قد أعطاهما تلكم المعاجز ، ولم يكلفهما بالقيام بإقناع كل فرد بالإتيان بكل ما يقترحه حسب ميوله وأغراضه.
نعم ، لابد أن تكون معجزة كل نبي مشابهة لأرقى فنون عصره وزمانه ، والتي يكثر العلماء بها من أهل عصره ، فإنّه أسرع للتصديق ، وأقوم للحجة ، فكان من الحكمة والصواب أن يخص موسى بالعصا ، واليد البيضاء ، لمّا شاع السحر في زمانه وكثر الساحرون ، ولذلك كانت السحرة أسرع الناس إلى تصديق ذلك البرهان والإذعان به حين رأوا العصا تنقلب ثعباناً وتلقف ما يأفكون ثم ترجع إلى حالتها الأولى ، فرأى السَحَرَة ذلك ، وعلموا أنّه خارج عن حدود السحر ، وآمنوا بأنّه معجزة إلهية وأعلنوا إيمانهم في مجلس فرعون ، ولم يعبأوا بسخط فرعون ولا بوعيده.
وشاع الطب اليوناني في عصر المسيح ، وأتى الأطباء في زمانه بالعجب العجاب ، وكان للطب رواج باهر في سورية وفلسطين ، لأنّهما كانتا مستعمرتين لليونان ، وحيث بعث الله المسيح في هذين القطرين شاءت الحكمة أن تجعل برهانه شيئاً يشبه الطب ، فكان من معجزاته أن يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص ، ليعلم أهل زمانه أنّ ذلك شيء خارج عن قدرة البشر وغير مرتبط
__________________
(١) آل عمران : ٤٩.