بمبادئ الطب وانّه ناشئ عما وراء الطبيعة.
وأمّا النبي الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم فقد برعت العرب في عصره في البلاغة وامتازت بالفصاحة ، وبلغت الذروة في فنون الأدب حتى عقدوا النوادي وأقاموا الأسواق للمباراة في الشعر والخطابة ، فلأجل ذلك اقتضت الحكمة أن يخص نبي الإسلام بمعجزة البيان وبلاغة القرآن ، ليعلم كل عربي أنّ هذا خارج عن طوق البشر ، ويعترف به كل من يتوخّى الحقيقة (١).
نعم ، هناك وجوه أُخر اقتضت جعل المعجزة الخالدة للنبي الخاتم هو القرآن ، وقد أوضحنا تلك الوجوه في أبحاثنا الكلامية.
نعم ، يجب أن تكون معجزة النبي مشابهة لأرقى فنون العصر ، فقط ، وأمّا لزوم قيامه بكل المقترحات والمطلوبات فلا ، لأنّ الأنبياء بعثوا لغرض التربية والتعليم ، وتجب عليهم مكافحة الجهل بالوسائل الصحيحة الكافية ، لا أن يأتوا بكل مطلوب لكل جاهل أو متجاهل حسب هوسهم.
كما يجب أن تكون دعوتهم مقترنة بالمعاجز حتى تحقّق صلتهم بالله سبحانه ويتبين أنّ الله الحكيم هو الذي أعطاه تلك المقدرة ، ولو كانوا كاذبين لما جاز في منطق العقل والحكمة إقدارهم عليها ، لأنّ في إقدار الكاذب على المعاجز ، إغراء بالجهل وإشادة بالباطل ، وذلك محال على الحكيم تعالى ، فإذا ظهرت المعجزة على يده كانت دالة على صدقه وكاشفة عن رضا الحق سبحانه بنبوته سواء أطابقت مطلوب الناس أم لا.
وإذا رأينا أنّ نبياً من الأنبياء قد امتنع عن القيام ببعض المعاجز ، وبعبارة أصح : إذا لم يأذن الله له في الإتيان بها ، فإنّما هو لأجل أنّه سبحانه جهّزه بأوضح الدلائل وزوّده بأتقن المعاجز بحيث تكون كافية لكل من يتوخّى الحقيقة ويطلب
__________________
(١) البيان : ٤٨ ـ ٤٩.