الآية الثالثة
قال سبحانه : ( وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِن رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللهَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَن يُنَزِّلَ آيَةً وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) (١).
وهذه الآية ممّا تمسك بها الملاحدة على المسلمين ، فقالوا : تدلّ على أنّ الله تعالى لم ينزل على محمد آية ، إذ لو نزلها لذكرها عند سؤال المشركين إيّاها (٢).
وقد صاغ رجال التبشير هذا الإشكال في قالب خاص ، وقالوا : إنّ الآية تدلّ على أنّه كلّما سئل محمد عن المعاجز أعرض عن السؤال وقال : إنّ الله قادر على الإنزال كما ورد في هذه الآية ، ومعلوم أنّ هذا الجواب لا يكفي السائل ، لأنّ قدرته سبحانه على الإتيان غير منكرة ، وانّما السؤال هو طلب خروج هذا الإمكان إلى مرحلة الفعلية ، فالجواب الوارد في الآية لا يدفع الاعتراض.
أقول : تحقيق مفاد الآية يتوقف على البحث حول أمرين :
الأوّل : لماذا لم يجب النبي دعوتهم ، ولم يقم بالإتيان بمطلوبهم ؟
الثاني : كيف يرتبط الجواب الوارد في الآية ، أعني قوله : ( قُلْ إِنَّ اللهَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَن يُنَزِّلَ آيَةً ) بكلامهم أعني : ( لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِن رَبِّهِ ) ؟
فنقول : أمّا الأمر الأوّل انّ الآيات المتقدمة على هذه الآية تدل بوضوح على أنّ الطالبين لم يكونوا بصدد الإيمان وطلب الحقيقة ، فلاحظ قوله سبحانه قبل هذه الآية إذ يقول : ( وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الهُدَىٰ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الجَاهِلِينَ * إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالمَوْتَىٰ يَبْعَثُهُمُ اللهُ ثُمَّ إِلَيْهِ
__________________
(١) الأنعام : ٣٧.
(٢) مجمع البيان : ٢ / ٢٩٦.