وهذه الآية نظير قوله سبحانه : ( فَالحَقُّ وَالحَقَّ أَقُولُ * لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ ) (١).
وهذه الآيات ونظائرها تفيد أنّ مشيئته سبحانه لم تتعلّق بهداية الناس أجمعين ، ولو تعلّقت لآمن كلّهم ، ولكن المشيئة المنفية في أمر الهداية هي المشيئة التكوينية التي لا تنفك عن المراد ، وتوجب إيمان الناس من غير اختيار. غير أنّه لما كان هذا الإيمان والإذعان لا قيمة له في عالم المعرفة لم تتعلّق مشيئته تعالى بهذا النحو من الهداية الجبرية ، بل ترك الناس أحراراً قال سبحانه : ( إِنَّ هَٰذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلاً ) (٢). وقال سبحانه : ( إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ * لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ ) (٣).
فقد خرجنا إلى هنا بهذه النتائج :
١. انّ المعجزة المنتفية هي المعجزة الملجئة لا المعجزة على الإطلاق.
٢. انّ مشيئته التشريعية قد تعلّقت بهداية الناس جميعاً ، ولأجل ذلك بعث الأنبياء وجهّزهم بالدلائل والبراهين الكافية.
٣. لم تتعلّق مشيئته التكوينية بهدايتهم ، لأنّ الإيمان عقيب هذه الإرادة إيمان قسري لا قيمة له.
نعم إنّ هاهنا سؤالاً صحيحاً ربّما يختلج في بعض الأذهان ، وهو أنّ الآيات الواردة حول اختيار الإنسان وإرادته تصرح بأنّ مشيئة الإنسان متوقفة على مشيئته سبحانه فليس لبشرٍ أن يختار أمراً أو يتبع سبباً خارجاً عن إطار إرادته سبحانه ومشيئته ، فالموجود الممكن بما أنّه ممكن ليس له أن يفعل أو يترك شيئاً خارجاً عن
__________________
(١) ص : ٨٤ ـ ٨٥.
(٢) الإنسان : ٢٩.
(٣) التكوير : ٢٧ ـ ٢٨.