مبلغاً لو استطاع أن يستخرج لهم من بطون الأرض أو من فوق السماء آية لفعل وأتى بها حتى يؤمنوا ، وعلى ذلك فالآية التي يتمنّاها النبي هي الآية التي تكون ملجئة لهم إلى الإيمان وتجرّهم إلى الإذعان من غير اختيار ، فمعنى الآية أيّها النبي قد بلغت في اهتمامك بهداية الناس مبلغاً ان قدرت وتهيأ لك أن تتخذ نفقاً في الأرض أو مصعداً في السماء فتأتيهم بآية وحجة تلجئهم إلى الإيمان وتجمعهم على ترك الكفر « لفعلت » أو « فافعل ذلك » ولو شاء الله « لجمعهم على الهدى » بالإلجاء وأعطاك تلك المعجزة الملجئة إلى الإيمان ، ولكن لم يفعل ذلك لأنّه ينافي الغاية المتوخاة من التكليف ويسقط استحقاق الثواب.
وإن شئت قلت : إنّ الآية تهدف إلى أنّه لا ينبغي للنبي أن يكبر ويشق عليه إعراضهم فانّ الدار دار الاختبار ، والدعوة إلى الحق وقبولها جاريان مجرى الاختيار ، وانّ النبي لا يقدر على الحصول على الآية الملجئة إلى الإيمان ، لأنّه سبحانه لم يرد من الناس الايمان إلاّ عن اختيار منهم ، فلم يعط للنبي آية تجبر الناس على الإيمان والطاعة ، ولو شاء الله لآمن الناس ـ على طريق الإلجاء ـ جميعاً ، والتحق هؤلاء الكافرون بالمؤمنين ولكن تلك المشيئة غير واقعة ، لأنّها على خلاف السنّة الحكيمة التي عليها أفعاله سبحانه.
وبذلك يتبين انّ الآية إنّما تنفي المعجزة الملجئة إلى الإيمان بقرينة قوله : ( وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الهُدَىٰ ) لا المعجزة التي يكون الأفراد اتجاهها مختارين في الإيمان والكفر.
وبذلك يتبين مفاد كثير من الآيات الواردة حول الهداية والضلالة ، وربّما يتوهم منها الغافل الجبر في أمر الهداية ، قال سبحانه : ( وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَٰكِنْ حَقَّ القَوْلُ مِنِّي لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ) (١).
__________________
(١) السجدة : ١٣.