فهذه الهياكل من الناس صنفان :
صنف منهم : أحياء يسمعون ، وهؤلاء يستجيبون لدعوة الهداة المخلصين.
وصنف منهم : أموات لا يسمعون وإن كانوا ظاهراً بصورة الأحياء. وهؤلاء لا يسمعون إلاّ أن يبعثهم الله ، فيسمعون ما لم يستطيعوا سمعه في الدنيا كما حكاه الله عنهم : ( وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ المُجْرِمُونَ نَاكِسُوا رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ ). (١) وقال سبحانه : ( لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ اليَوْمَ حَدِيدٌ ) (٢) وقال سبحانه : ( إِنَّكَ لا تُسْمِعُ المَوْتَىٰ وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ * وَمَا أَنتَ بِهَادِي العُمْيِ عَن ضَلالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُسْلِمُونَ ) (٣). والآية تدل على أنّ الكفّار والمشركين سيفهمهم الله الحق ويسمعهم دعوته في الآخرة كما أفهم المؤمنين وأسمعهم في الدنيا ، فالإنسان ـ مؤمناً كان أو كافراً ـ لا مناص له عن فهم الحق عاجلاً أو آجلاً (٤).
فأي كلمة أو جملة تدلّ على عتاب النبي وزجره ، فإنّما هي تهدئة من الله سبحانه لنبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم وانّه قام بوظيفته الرسالية أحسن قيام ، والتقصير إنّما هو من قومه المعاندين.
وأمّا الثاني : أي دلالة الآية على عدم إعطاء النبي صلىاللهعليهوآلهوسلمأيّة معجزة ، فهو غفلة عن معنى الآية ، لما عرفت من أنّ الآية تمثل مدى اهتمام النبي بهداية قومه وتبين مقدار حرصه على إسلامهم ، وتهالكه في إسعادهم ، وانّه قد بلغ في ذلك الحرص
__________________
(١) السجدة : ١٢.
(٢) ق : ٢٢.
(٣) النمل : ٨٠ ـ ٨١.
(٤) الميزان : ٧ / ٦٦.