قُبُلاً مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلا أَن يَشَاءَ اللهُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ ) (١) لم يكونوا يريدون كشف الحقيقة بل كانوا ـ لشدة عنادهم ـ يشكون في المشاهدات التي لا يشك فيها أحد ، فهم بلغوا في الشك والعناد بمنزلة يصفهم الله سبحانه بقوله : ( وَإِن يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطاً يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ * فَذَرْهُمْ حَتَّىٰ يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ ) (٢).
فإذا بلغ القوم إلى هذه الدرجة من العناد ، فأيّة معجزة يمكن أن تجلب إيمانهم ؟! ولأجل ذلك يقول سبحانه : ( وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ ).
والخطاب للمؤمنين و ( مَا ) في ( وَمَا يُشْعِرُكُمْ ) للاستفهام ، أي وما يدريكم أنّ الآية التي يقترحونها إذا جاءت لا يؤمنون ، يعني : أنا أعلم أنّها إذا جاءت لا يؤمنون وأنتم لا تدرون بذلك ، ويقول في الآية التالية : ( وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ) (٣). فهذه الآية تفيد بأنّهم كما لم يؤمنوا قبل رؤية الآيات المقترحة ، فهكذا لن يؤمنوا أيضاً بعد رؤيتها.
فقد بلغ عنادهم ولجاجهم إلى مرتبة صار سبباً لقلب أفئدتهم وأبصارهم في إدراك الحقائق ، فهم بسبب اتباع الهوى والإعراض عن سليم العقل ، صارت عقولهم وأفئدتهم لا تدرك الحقيقة ، فهم كما وصفهم الله سبحانه في آيات كثيرة حيث يقول : ( ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي القَوْمَ الكَافِرِينَ * أُولَٰئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الغَافِلُونَ ) (٤).
__________________
(١) المائدة : ١١١.
(٢) الطور : ٤٤ ـ ٤٥.
(٣) الأنعام : ١٠٩.
(٤) النحل : ١٠٧ ـ ١٠٨.