والملائكة قبيلاً (١).
والرواية على فرض صحتها تصرّح بأنّهم لم يكونوا بصدد فهم الحقيقة وكشف الواقع ، لأنّ كثيراً من طلباتهم كانت من الأمور المستحيلة عقلاً ، كالإتيان بالله والملائكة قبيلاً ، مضافاً إلى أنّ جعل الصفا ذهباً لا يخرج عن صورتين :
الأولى : أن يجعله ذهباً ويبقيه كذلك لحظات ثم يعود بالجبل إلى حالته الأولى.
الثانية : أن يجعله ذهباً ويتركه في متناول أيدي الناس ليستفيدوا منه.
أمّا الأولى : فلا شك أنّهم ينسبون عمل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى السحر والشعوذة ، كما نسبوه إلى ذلك في غير موضع.
وأمّا الثانية : فهي تخالف سنن الخلقة والقوانين الحاكمة على الكون ، فإنّ الله تعالى خلق ذلك العنصر في مكامن الأرض وبواطنها ، وجعل طريق الحصول عليه هو السعي والاستخراج.
أضف إلى ذلك أنّ قيام النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بهذا الطلب يوجب أن تتوجه إليه طلبات كثيرة مماثلة ، وهذا يستلزم أن يترك النبي مهمته الرسالية ويشتغل بإجابة مقترحات الناس الناشئة من أهوائهم ، ومشتهياتهم.
حصيلة البحث
وحصيلة البحث من أوّله إلى هنا حتى يتبين سبب عدم قيام النبي بالمعاجز المقترحة هو أنّ القوم حسب ما يرشد شأن النزول وما يفيده قوله سبحانه في الآية الأخيرة : ( وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ المَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ المَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ
__________________
(١) مجمع البيان : ٢ / ٣٤٩ ، وراجع الدر المنثور.