٤. ( وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ المَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ المَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا ) (١). وهذه الآية تخبر عن عنادهم وشدة لجاجهم حتى ولو رأوا أكبر الآيات وأعظمها.
٥. ( إِلا أَن يَشَاءَ اللهُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ ) (٢). وهذه المشيئة مشيئة تكوينية لو تعلّقت بهداية الناس لم تنفك عن إيمانهم الاضطراري ولكنها لا تتعلّق أبداً ، وإن شئت مزيد توضيح فاقرأ ما يلي :
لقد مرّ في البحث عن الآية الرابعة أنّ مشيئته التشريعية تعلّقت بهداية وإيمان جميع الناس بلا استثناء ، وهذه الإرادة لا تستلزم جبراً ولا قسراً ، بل تترك الإنسان وما يختار. نعم لم تتعلق إرادته التكوينية بهداية الناس إلاّ من جعل نفسه في مسير رحمته ، وأناب إلى ربّه ، ولو تعلّقت إرادته التكوينية بهداية كل الناس هداية جبرية اضطرارية لم يكن لهذا الإيمان قيمة ولا وزن ، وإلى هذه الخصوصية أشار سبحانه في الآية الثانية من آيات مورد البحث بقوله : ( وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا أَشْرَكُوا ) أي لو شاءَ أن يتركوا الشرك قهراً وإجباراً لاضطرّهم إلى ذلك ، إلاّ أنّه لم يلجئهم إليه بما ينافي أمر التكليف ليستحقوا الثواب والمدح.
إلى هنا تبين مفاد الآيات وأنّ المقترحين لم يكونوا مستعدين للإذعان والإيمان حتى ولو رأوا أكبر الآيات ، وعند ذلك يكون الشرط المصحح لخرق العادة غير موجود.
ويزيد توضيحاً لذلك ما رواه المفسرون في شأن نزول الآيات حيث قالوا : إنّ قريشاً قالت للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : اجعل لنا الصفا ذهبا ، وابعث لنا بعض موتانا حتى نسألهم عنك أحق ما تقول أم باطل ؟! وأرنا الملائكة يشهدون لك أو ائتنا بالله
__________________
(١) الأنعام : ١١١.
(٢) الأنعام : ١١١.