لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِن رَبِّهِ ) فإنّ المراد منها هو غير القرآن إذ لو كان المراد هو القرآن لما صح أن يقال : ( لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِن رَبِّهِ ) نافياً نزول القرآن ، إذ لا شك أنّ القرآن كان ينزل عليه آية بعد آية طوال سنين.
ثم إنّ القائل هم أكابر القوم بقرينة قوله : ( وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا ) وكانوا يترقبون أن يوهبوا نفس ما وهب رسل الله من المقام والنبوة كما يفيده قوله سبحانه : ( حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ ) فأُجيبوا بقوله : ( اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ) وهو لا يصطفي للنبوة إلاّ من علم أنّه يصلح لها وهو أعلم بالمكان الذي يضعها فيه منهم ولو لم يكن مطلوبهم ما ذكرناه لما صح هذا الجواب ، ولما ناسب هذا الرد ، وقد ذكر مطلوبهم هذا في بعض الآيات ، قال سبحانه ـ حاكياً عنهم ذلك الطلب ـ : ( وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَٰذَا القُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِنَ القَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ) (١) وقد أُجيبوا هناك أيضاً بنفس ما أُجيبوا به هنا قال سبحانه : ( أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَعِيشَتَهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا ) (٢).
ويؤيد ذلك ما ذكره المفسرون في شأن نزول الآية إذ قالوا : نزلت في الوليد بن المغيرة قال : والله لو كانت النبوة حقاً لكنت أولى بها منك ، لأنّي أكبر منك سناً ، وأكثر مالاً. وقيل : نزلت في أبي جهل بن هشام ، قال : زاحمنا بنو عبد مناف في الشرف حتى إذا صرنا كفرسي رهان قالوا : منّا نبي يوحى إليه ، والله لا نؤمن به ولا نتبعه أبداً إلاّ أن يأتينا وحي كما يأتيه (٣).
__________________
(١) الزخرف : ٣١.
(٢) الزخرف : ٣٢.
(٣) الكشاف : ١ / ٥٢٦ ، مجمع البيان : ٢ / ٣٦١.