فالإجابة على ذلك السؤال نوع اعتراف بتلك المزعمة ، على أنّه يجب أن يكون بين المطلوب والرسالة رابطة عقلية يستدل بالأوّل على الثاني ، وهذا الشرط غير موجود في ذلك السؤال ، إذ كون الرجل ذا ثروة لا يستدل به على صحة قوله وصدق نبوته ورسالته ، وإلاّ يجب أن يكون أصحاب الثروات أنبياء إذا ادّعوا النبوة والرسالة.
وأمّا الطلب الثالث : أعني قولهم : ( أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالمَلائِكَةِ قَبِيلاً ) فقولهم : ( كَمَا زَعَمْتَ ) يعنون به قوله تعالى : ( إِن نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّمَاءِ (١) ) غير أنّ القيام بهذا الاقتراح يضاد هدف الإعجاز ، فإنّ الغاية من خرق الطبيعة هي هداية الناس إلى الدين ، ولو كانت نتيجة الإعجاز أبادتهم وإهلاكهم لزم نقض الغرض.
وأمّا الطلب الرابع : أعني قولهم : ( أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالمَلائِكَةِ قَبِيلاً ) والمراد من قوله : ( قَبِيلاً ) أي كفيلاً بما تقول ، شاهداً بصحته ، والمعنى : أو تأتي بالله قبيلاً وبالملائكة قبيلاً. ويمكن أن يكون المراد منه مقابلاً كالعشير بمعنى المعاشر ، وهذه الآية بمنزلة قولهم حيث حكى عنهم سبحانه بقوله : ( لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْنَا المَلائِكَةُ أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا ) (٢). ومن المعلوم أنّ مقترحهم أمر محال ، فإنّ طلب رؤية الله المجرد عن المكان والزمان بهذه الأبصار المادية أمر غير ممكن ، وهو تعالى يصف نفسه بقوله : ( لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ ) (٣). ومثله طلب رؤية الملائكة بأشكالهم الواقعية ، كما أوعزنا إليه غير مرة.
__________________
(١) سبأ : ٩.
(٢) الفرقان : ٢١.
(٣) الأنعام : ١٠٣.