وشأنهم وطلب منهم القيام بذلك بأنفسهم بالكسب والتعاون ، قال سبحانه : ( وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَن نَصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَا سَأَلْتُمْ ) (١).
فقوله سبحانه : ( فَإِنَّ لَكُم مَا سَأَلْتُمْ ) يرشد إلى أنّ التنوّع الذي طلبوه من الكليم لن يحصل إلاّ بقيامهم بالدخول في مصر ، وتحصيلها منها بالأسباب الطبيعية ، لأنّ الذي يفرض على النبي أن يقوم ـ للإبقاء على حياة قومه ـ إنّما يتقدر بقدر الضرورة وهو الطعام الواحد ، وأمّا الزائد على ذلك فلا يحصل إلاّ عن طريق المجاري الطبيعية ، والأسباب المتعارفة.
ولا تقاس تلك الظروف بالأحوال الحاكمة على أرض مكة وسكانها حيث يحكي عنهم سبحانه : ( وَقَالُوا إِن نَتَّبِعِ الهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّن لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِن لَدُنَّا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) (٢).
وهذا البحث أسفر عن أنّ سؤالهم الوارد في المقطع الأوّل كان على وجه لا يصح للنبي القيام به لمخالفته للسنّة الإلهية الحكيمة في الكون والحياة البشرية.
أمّا الطلب الثاني : أعني : كون النبي مالكاً لجنة من نخيل وعنب ويفجر الأنهار خلالها تفجيراً ، فليس هذا إلاّ تصوراً باطلاً في شأن النبي من أنّه يجب أن يكون رجلاً غنياً ذا ثروة طائلة ، وقد حكى عنهم سبحانه تلك المزعمة بقوله : ( وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَٰذَا القُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِنَ القَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ) (٣).
__________________
(١) البقرة : ٦١.
(٢) القصص : ٥٧.
(٣) الزخرف : ٣١.