فقيام المسؤول بهذه الطلبات أمّا بلحاظ أنّه بشر ، أو بلحاظ أنّه رسول ، فإن كان باللحاظ الأوّل ، فقدرة البشر قاصرة عن القيام بهذه الأمور ، وإن كان باللحاظ الثاني ، فهو موقوف على إذنه سبحانه.
قال العلاّمة الطباطبائي : أمره سبحانه أن يجيب عمّا اقترحوه عليه وينبههم على جهلهم ومكابرتهم في ما لا يخفى على ذي نظر ، فإنّهم سألوه أُموراً عظاماً لا يقوى على أكثرها إلاّ القدرة الغيبية الإلهية ، أضف إلى ذلك أنّ فيها ما هو مستحيل بالذات ، كالإتيان بالله والملائكة ، ولم يرضوا بهذا المقدار دون أن جعلوه هو المسؤول المتصدّي لذلك ، المجيب لما سألوه ، فلم يقولوا لن نؤمن لك حتى تسأل ربك أن يفعل كذا وكذا ، بل قالوا : لن نؤمن لك حتى تفجر أو تسقط السماء أو تأتي بالله أو ترقى و ... ، فإن أرادوا منه ذلك بما أنه بشر ، فأين البشر من هذه القدرة المطلقة غير المتناهية المحيطة ؟! وإن أرادوا منه ذلك بما أنّه يدّعي الرسالة ، فالرسالة لا تقتضي إلاّ حمل ما حمّله الله من أمره وبعثه لتبليغه بالإنذار والتبشير لا تفويض القدرة الغيبية إليه ، وإقداره على أن يخلق كل ما يريد ، ويوجد كل ما شاءُوا ، وهو صلىاللهعليهوآلهوسلم لا يدعي لنفسه ذلك ، فاقتراحهم ما اقترحوه مع ظهور الأمر من عجيب الاقتراح (١).
الآية الخامسة عشرة
قوله سبحانه : ( وَقَالُوا لَوْلا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِن رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِم بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الأُولَىٰ * وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُم بِعَذَابٍ مِن قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَىٰ ) (٢).
والاستدلال بهذه الآية على مراد المستدل على غرار ما تقدم.
__________________
(١) الميزان : ١٣ / ٢٠٣.
(٢) طه : ١٣٣ ـ ١٣٤.