غير أنّ الاستدلال بها على مطلوبهم غير صحيح جداً ، فإنّ عدم القيام بما كانوا يقترحونه من الآية كان لأجل العلة التالية : أنّهم إنّما اقترحوا آية على النبوة ـ على عادتهم في التعنت ـ تحقيراً للمعجزة التي أعطاها لنبيه ، فلأجل ذلك نرى أنّ القرآن يجيبهم بقوله :
( أَوَلَمْ تَأْتِهِم بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الأُولَىٰ ) أي أو لم تأتكم آية هي أُمّ الآيات وأعظمها في باب الإعجاز ، وهو القرآن ، فهو برهان ما في سائر الكتب المنزلة ودليل صحته عند الموافقة ، لأنّه معجزة وتلك ليست بمعجزات فهي مفتقرة إلى شهادته على صحة ما فيها ، افتقار المحتج عليه إلى شهادة الحجة.
ويمكن أن تكون الجملة مشيرة إلى معنى آخر وهو : أنّه سبحانه يذكرهم بقوله : أو لم يأتهم في القرآن بيان ما في الكتب الأولى من أنباء الأمم التي أهلكناهم لما اقترحوا الآيات ثم كفروا بها ، فماذا يؤمّنهم أن يكون حالهم في سؤال الآية كحال أُولئك ؟
فعلى المعنى الأوّل فعلّة الامتناع من الإتيان بآية أُخرى هو أنّهم كانوا بصدد تحقير المعجزة الكبرى ، فإذا لم يبصروا بها فلا يبصرون بغيرها.
وعلى المعنى الثاني تشير الجملة إلى أنّ الآية لو أتتهم لكذبوها فيعمّهم العذاب ويشملهم البلاء ، وقد عهد سبحانه أن لا يعذبهم ونبيّه فيهم ، قال سبحانه : ( وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ) (١).
ثم أي فائدة لمعجزة توجب إبادة القوم وإهلاكهم ؟!
الآية السادسة عشرة
قوله سبحانه : (بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ
__________________
(١) الأنفال : ٣٣.